الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن علم بالأدلة كلها، وآراء العلماء فيها، ومذهب الجمهور وأدلتهم، وأدلة من خالفهم، وعرف الراجح والأقوى منها: فليس بعامِّيِّ في هذه المسألة، بل هو طالب علم مميَّز، يعمل بما ترجح عنده، ويفتي به غيره. فإن الراجح الذي عليه أكثر العلماء أن الاجتهاد يتجزأ، وراجع في ذلك الفتوى: 404431.
ومن ترجح عنده خلاف ذلك من أهل العلم، فلا يُعترض عليه، وإنما يناقش بالأدلة دون إنكار عليه؛ لأن الترجيح أمر نسبي، ولا يقتصر سببه على الجهل بالدليل، أو غياب وجه الاستدلال به، وإنما يكون كذلك لاختلاف الأفهام، وتباين طرق الترجيح؛ وبهذا يجاب عن سؤال: (أليس له حق حينئذ أن يعترض على هذا الشيخ، إن كان لم يفتِ بالدليل الأرجح)؟ فليس من حقه الاعتراض، وإنما من حقه السؤال والنقاش؛ لأن الترجيح - كما ذكرنا - أمر نسبي، فالأقوى عندي ليس كذلك عند غيري، والعكس بالعكس. وانظر للفائدة الفتوى: 349918.
وهنا لا بدّ من التفريق بين الخلاف السائغ المعتبر وبين الخلاف غير السائغ ولا المعتبر: فالأول إنما هو اختلاف في الفهم، ولا يصادم نصًّا، ولا إجماعًا سابقًا، بخلاف الثاني، فإنه لا يعتمد على الأدلة الشرعية، وإنما يعتمد في الغالب على الهوى، أو الرأي المجرد، أو على دليل بعيد المأخذ، وقد سبق لنا بيان نوعي الخلاف، وبيان أسباب اختلاف العلماء، وموقف المسلم من ذلك، وما وراء ذلك من الحكم، فراجع الفتاوى: 8675، 26350، 98454.
والله أعلم.