الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله ان يهديك، وأن يطهر قلبك، ويصلح حالك.
ويجب عليك أن تتوب وترجع إلى الله مما كتبت من عبارات خطيرة، فقولك: (والله صراحة سأترك هذا الدين إذا كان دينا عنصريا لا يفيدني.) منكر عظيم. فالعزم على الكفر أو تعليقه، قد نص العلماء على أنه كفر في الحال! -نسأل الله السلامة-.
جاء في الإعلام بقواطع الإسلام للهيتمي: فمن ذلك العزم على الكفر في زمن بعيد أو قريب، أو تعليقه باللسان أو القلب على شيء ولو محالاً عقلياً فيما يظهر، فيكون ذلك كفراً في الحال، كما نقله الشيخان عن التتمة، وجزم به البغوي وغيره كالحليمي وصححه الروياني. اهـ.
واعلم أن الله غني عن إسلام العالمين جميعا، قال تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ {آل عمران:97}، وقال تعالى: وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ {إبراهيم:8}، وقال سبحانه: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ {الزمر:7}.
وجاء في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام مسلم وغيره: ... يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي: لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي: لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا.
ولا شك أنك مبالغ فيما ذكرت مبالغة مخالفة للواقع، وشاهد ذلك أن الأغلبية الساحقة من المسلمين هم من غير العرب، ولم تشع بينهم هذه الشكوى من عنصرية إخوانهم المسلمين من العرب ضدهم!
نعم، لا يُنكَر أنه قد يقع بعض المسلمين من العرب أو غيرهم في عنصرية مذمومة شرعا، لكن من البديهي أن الإسلام بريء من مخالفات المنتسبين إليه.
وقد جاء الإسلام بنبذ العنصرية والمفاخرة بالأنساب، والتحذير من ذلك كله، والتشنيع على من يمارسه.
وللفائدة، راجع الفتاوى: 188137 - 66747- 109216 - 202114.
وأما قولك: ( لماذا لم يخلق الله الجميع عربا ) فإن الله سبحانه يخلق ما يشاء، لا يسأل عما يفعل، والعباد يسألون، وله سبحانه في كل ما يخلق ويقدر أعظم الحِكَم ومنتهاها، لكن العباد لا يحطيون بحكمته من خلقه- وإن أعلمهم سبحانه بشيء من حكمته- فالمسلم يسلّم بحكمة الله البالغة فيما خلق وأمر، ويحمده على قضائه كله.
وعلى كل: فقد بين الله جل وعلا حكمة بالغة له سبحانه في خلق الناس شعوبا وقبائل، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13}.
قال الطبري: يقول تعالى ذكره: إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده، لا لفضيلة لكم في ذلك، وقُربة تقرّبكم إلى الله، بل أكرمكم عند الله أتقاكم .اهـ.
وفي تفسير الألوسي: ﴿لتعارفوا﴾ علة للجعل، أي جعلناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضا، فتصلوا الأرحام، وتبينوا الأنساب والتوارث، لا لتفاخروا بالآباء والقبائل. والحصر مأخوذ من التخصيص بالذكر، والسكوت في معرض البيان. اهـ.
وأما حديث: من سب العرب؛ فأولئك هم المشركون: فقد أخرجه العقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب، وحكموا عليه بأنه منكر. وقال الذهبي في الميزان: موضوع، وكذلك الألباني في السلسلة الضعيفة. لكن جاءت أحاديث أخرى في فضل العرب المسلمين، انظر طرفا منها في الفتوى: 47559.
وليس معنى هذا التفضيل أن مجرد النسب موجب للفضل أو للثواب والقرب من الله، أو أن العربي خير وأكرم عند الله من العجمي، كلا! بل المقصود من التفضيل أن العرب كجنس لهم فضل استوجبه كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، ومنهم معظم الصحابة الكرام -رضي الله تعالى عنهم- ومنهم الخلفاء والأئمة، وراجع للمزيد الفتوى: 368323.
والله أعلم.