الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فوجود الكتب الشرعية النافعة في البيت مهم جدًّا؛ لأنها من وسائل تعلم الدِّين الحنيف.
ولا شك أن كتاب: (سير أعلام النبلاء) من أهم الكتب في باب التربية، وتهذيب السلوك، رغم أن موضوعه بالأساس هو تراجم الأعلام؛ وذلك بسبب المنهجية التي التزمها الإمام الذهبي في تصنيفه؛ حيث إنَّه يأتي بجوانب القدوة، والمواقف المهمة والمؤثرة في حياة الشخص الذي يترجم له، ولا يخلي كثيرًا من المواضع من تعليق تربوي يضيء الطريق للسالكين.
والكتاب كثير الفوائد، ولغته سهلة وواضحة، وغالب مادته قصصية؛ مما يغري بقراءته، وعدم الملل منه.
وعلى هذا؛ فإنّنا نؤيدك في نصيحة هذا الوالد الكريم بشراء هذا الكتاب لأولاده.
وليس وجود كتب في البيت لم يقرأها أولاده حجة في الامتناع من شراء كتب أخرى جديدة تمسّ الحاجة إليها؛ لأن الإنسان ربما يعجبه كتاب فيشتريه، ثم يتبين له بعد ذلك أن غيره من الكتب أولى بالقراءة منه.
كما أنه لن يندم على توريث كتب العلم النافعة؛ فإنها من الصدقة الجارية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.
والكتب الشرعية من العلم النافع الذي يبقى أجره بعد وفاة الإنسان، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا نَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، تلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ. رواه ابن ماجه بإسناد فيه ضعف.
قوله: وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ. يمكن أن يقاس عليه توريث الكتب النافعة؛ لأن كليهما يرشد إلى ما يرضي الله تعالى، ويحذِّر مما يسخطه.
هذا، وقولك: (إنَّ العلماء هم أولياء أمور المسلمين، وطاعتهم واجبة)؛ فصحيح على أحد معاني قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {النساء:59}، ولكن ليس المقصود طاعتهم في مثل هذا الموضوع؛ لأن طاعتهم واجبة إذا أرشدوا إلى ما أوجبه الله تعالى، وليس من ذلك أمرهم بشراء الكتب؛ لأنه أمر مستحب وليس بواجب.
والله أعلم.