الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى: 325729 خلاف الفقهاء في مشروعية التشهد بعد سجدتي السهو، ولم نرجح فيها قولًا على آخر، بل قلنا فيها: إن من أتى بالتشهد بعد سجدتي السهو، فهو على صواب؛ بناء على أقوال بعض أهل العلم، ولا حرج عليه.
وكذا ذكرنا هذه المسألة في الفتوى: 289183، والفتوى: 146273، ولم نرجح أحد الأقوال، وقلنا: إن الأمر في هذه المسألة واسع؛ لأن التشهد بعد سجدتي السهو وإن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عن بعض الصحابة، فمن تشهد بعد سجدتي السهو، فلا حرج عليه، ومن ترك التشهد وسلم، فلا حرج عليه -إن شاء الله-.
وما ذكرته من أثر ابن مسعود- رضي الله عنه- الذي صححه الحافظ في الفتح، والاستدلال به على مشروعية التشهد بعد السلام في سجدتي السهو اعتمادًا على أن ابن مسعود روى حديثًا في سجود السهو جوابنا عنه في الآتي:
أولًا: الحديث الذي رواه ابن مسعود في سجود السهو هو حديث: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَفِي لَفْظ: ثمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ. كما روى أيضًا حديث أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم-: صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ: أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟»، قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سَلَّمَ. والحديث في الصحيحين، وغيرهما، وظاهرٌ أن الحديث ليس فيه ذكر للتشهد، ولو كان التشهد مأمورًا به شرعًا هنا لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأمر به، وهذا ربما يرجح أن قولَ ابن مسعود الموقوفَ عليه في التشهد بعد سجدتي السهو أنه إنما قاله اجتهادًا منه، وليس عنده فيه شيء مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: لا يقال هنا: إن الحديث ليس فيه ذكر للتشهد الذي هو من صلب الصلاة قبل السلام أيضًا؛ وذلك لأن هذا التشهد من صلب الصلاة، وقد جاء في رواية البخاري للحديث: فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ. فقوله: فَلْيُتِمَّ عليه. أي: يتم صلاته، وهذا متضمن للتشهد قبل السلام؛ لأنه من صلب الصلاة.
ثالثًا: لا يصح أن يقال: إن ما ورد عن ابن مسعود من قوله الموقوف عليه داخل في زيادة الثقة؛ لأن زيادة الثقة مبحثها فيما رُفِعَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لا في الأقوال الموقوفة على الصحابة -رضي الله عنهم-، كما هو معلوم في علم مصطلح الحديث، كما أن هذا القول من ابن مسعود -رضي الله عنه- ليس من الأقوال التي لا مجال للرأي فيها، ولا تؤخذ إلا من الوحي، كالغيبيات مثلًا.
والخلاصة: أن الأمر في هذا واسع -إن شاء الله تعالى-.
والله أعلم.