الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن المناسب أن ترسل سؤالك هذا إلى قسم الاستشارات بموقعنا على الرابط:
https://islamweb.net/ar/consult/
وما يمكننا قوله هنا هو أن الخلاف بين الزوجين من الأمور التي تحدث كثيرا، وقد يصل الأمر إلى أن تستحيل العشرة بينهما، ويكون الطلاق هو الحل والأفضل، وقد تكون مصلحة الطلاق مرجوحة أحيانا، ويكون الصبر هو الأفضل.
وإن حصل وأن تفرقا فقد يقدر الله سبحانه - بعد الفراق- لكل منهما خيرا، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}. قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله. فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.
ولكن لا يجوز أن يجعل الوالدان أو أي منهما هذا الطلاق نقمة على الولد، فإن لم يقم والدك بما يجب عليه تجاهك من النفقة والرعاية، فلا شك في أنه قد فرط في ذلك تفريطا عظيما. روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. وهو قد ظلمك. ولا حرج عليك فيما وقع في قلبك من الشعور بالكره له، فلا مؤاخذة عليك في مثل هذا؛ لأن هذا لا اختيار لك فيه، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.
وتفريطه في حقك كأب لا يعني أن تفرط أنت في حقه، فقد أعلى الله من شأن الوالدين، وقرن حقهما بحقه، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}، وأمر بالإحسان إليهما مهما كان فيهما من السوء وما صدر عنهما من الشر، كما قال الله سبحانه: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا....الآية {لقمان:15}.
وعقد البخاري في كتابه الأدب المفرد بابًا فقال: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. اهـ.
وتعلم من هذا أنه لا يجوز لك أن تقصر في حق أبيك بأي تقصير -وإن قل- فضلا عن أن تقطع صلتك به تماما، فاعمل على صلته بكل ما هو ممكن مما يعد صلة عرفا، واصبر واحتسب الأجر من الله تعالى، وبره عسى أن يبارك الله بسبب ذلك في أولادك فيبرونك، قال سبحانه: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90}، وراجع الفتوى: 105707.
والله أعلم.