الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ثبت ما ذكرت عن أمّك من سوء تعاملها معك، وهجرها لك؛ فهذا يدل على أنها أسيرة للشيطان ووساوسه؛ فالغالب في الأمّ الشفقة على أولادها، فيستغرب أن تصل إلى هذه الدرجة من الجفاء، والغلظة، مع قسوة في القلب تجاه ابنتها، هذا أولًا.
ثانيًا: ومن العجب العجاب أن يكون الدافع لها لكل هذا، رغبتها في إساءة معاملتك لوالدك، وحملك على العقوق، وهذا مما تحرم الطاعة فيه، فقد ثبت في الصحيحين عن علي -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.
ثالثًا: قد أحسنت بصبرك على أذاها لك، وحذرك من أن يصدر منك ما يقتضي عقوقها، فاثبتي على ذلك- جزاك الله خيرًا-، وراجعي في فضل الصبر الفتوى: 18103.
واحرصي على دفع إساءتها بالبر، والإحسان، فلعل الله تعالى يثمر من ذلك خيرًا، فهو القائل: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}، قال ابن كثير في تفسيره: ادفع بالتي هي أحسن؛ أي: من أساء إليك، فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر -رضي الله عنه-: ما عاقبتَ من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه.
وقوله: فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم؛ وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك، ومحبتك، والحنوّ عليك؛ حتى يصير كأنه ولي لك حميم؛ أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. اهـ.
رابعًا: نوصيك بكثرة الدعاء بأن يصلح الله سبحانه حالها، ويصلح ما بينك وبينها، فقد قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.
فهو قد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، وهو على كل شيء قدير، وكل أمر عليه يسير، وقلوب العباد بيده، يقلبها كيف يشاء.
خامسًا: ابحثي عن أخيار من أقربائكم أو غيرهم؛ ليبذلوا النصح لأمّك بالحكمة، والموعظة الحسنة، ويبيّنوا لها خطورة إقدامها على هذا النوع من التعامل معك، وأن لا تدخلكم في المشاكل التي بينها وبين أبيكم، فهذا من مقتضى الشرع، والعقل، والحكمة.
سادسًا: لا يجوز لأخواتك طاعة أمّك في أمرها إياهنّ بهجرك من غير موجِب للهجر؛ فإن هذا موجب لوقوعهنّ في الإثم، وراجعي الفتوى: 23920، فاعملي على بذل النصح لأخواتك.
سابعًا: نختم بهذا الأمر الخطير الذي ذكرته عن أخيك من تلفظه بالكفر، وتركه للصلاة، وعقوقه لأمّه بسبها، وشتمها، فهذه منكرات بعضها أعظم من بعض، فهو على خطر عظيم، إن لم تتداركه رحمة الله، ويتوب عليه.
فالواجب نصحه، وتخويفه بالله تعالى بوقوفه بين يديه للحساب، وما قد يجازيه به من أليم عقابه.
نسأل الله تعالى لنا، ولأسرتكم العافية، والسلامة من كل بلاء.
والله أعلم.