الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن صيغة الجمع في مثل قوله سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}، هي للتعظيم والإجلال، لا للتعدد، قال ابن تيمية في التدمرية: وهذا كما أن لفظ «إنّا»، و«نحن»، وغيرهما من صيغ الجمع يتكلم بها الواحد الذي له شركاء في الفعل، ويتكلم بها الواحد العظيم، الذي له صفات تقوم كل صفة مقام واحد، وله أعوان تابعون له، لا شركاء له. فإذا تمسك النصراني بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} ونحوه، على تعدد الآلهة، كان المحكم كقوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}، ونحو ذلك مما لا يحتمل إلا معنىً واحدًا - يزيل ما هناك من الاشتباه، وكان ما ذكره من صيغ الجمع مبينًا لما يستحقه من العظمة، والأسماء، والصفات، وطاعة المخلوقات من الملائكة، وغيرهم. اهـ.
وقال الرازي في تفسيره: فأما قوله: (إنا نحن نزلنا الذكر) فهذه الصيغة -وإن كانت للجمع- إلا أن هذا من كلام الملوك عند إظهار التعظيم؛ فإن الواحد منهم إذا فعل فعلًا، أو قال قولًا قال: إنا فعلنا كذا، وقلنا كذا، فكذا ها هنا. اهـ.
وقال الأمين الشنقيطي في العذب النمير: وصيغة الجمع للتعظيم، كقوله: {إنا نحن نزلنا الذكر} [الحجر:9]، {إنا نحن نحيي الموتى} [يس:12]، وهو جل وعلا واحد، إلا أنه يعبّر عن نفسه بصيغة الجمع؛ لأجل التعظيم والإجلال. اهـ. وراجع الفتوى: 293464.
وأما قولك: (فهل هذا يعني أن الله عز وجل عندما قال: إنا نحن نزلنا الذكر، يقصد أنه أنزله بواسطة جبريل -عليه السلام-)، فلم نقف على ذكر لهذا المعنى عند أحد من العلماء.
والله أعلم.