الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على غيرتك على أختك، فالغيرة من الإيمان، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه.
وقد أحسنت بقيامك بواجب النصح لأختك، فيما ذكرت عنها من منكرات واقعة قد أتتها.
ونوصيك بالاستمرار في نصحها، وليكن ذلك برفق ولين، ومن منطلق الشفقة عليها، فذلك أدعى لأن تؤتي به النصيحة ثمرتها.
روى مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.
فإن تابت إلى الله وأنابت؛ فالحمد لله، وإلا فاهجرها إن رجوت أن ينفعها الهجر، وإن خشيت أن يزيدها عنادا، فالأفضل تأليف قلبها، فينظر في ذلك للمصلحة، كما بينا في الفتوى: 24833
وبخصوص أمك: فإن كانت تقر أختك على ما هي عليه من المنكرات، و تشجعها عليها، فهذا أمر فظيع وإثم مبين، والأخطر ما حكيته عنها من اعتبارها دخولها جهنم أمرا عاديا، فهذا يدل على نوع من الجهل والاستخفاف.
وقد أساءت بطردها لك من البيت، والواجب عليك برها والإحسان إليها، فذلك من حقها وإن اساءت. ومن البر أن تسعى في إصلاحها بالدعاء وانتداب من ترجو أن تقبل قوله؛ ليقوم بنصحها.
وأبوك هو وليها والمسؤول عنها أمام الله سبحانه يوم القيامة، فيجب عليه أن يكون حازما معها، ويعمل على إصلاحها وكفها عن أسباب الفساد، قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء:11}.
قال السعدي في تفسيره: أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية. فتعلمونهم وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6}.
فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. اهـ.
وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.... والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته.... الحديث.
وتدهور العلاقة بين أختك وأبيك لا يسقط عنه هذه المسؤولية، بل يجب عليه القيام بها وإلا كان آثما، فالواجب نصحه في ذلك.
والله أعلم.