الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما قالته تلك المرأة قول سيئ منكر، وكان عليك أن تنصحيها بلين ورفق، وتبيني لها أن السعادة كل السعادة في الأنس بالله، والتلذذ بسماع آياته، وأن سماع الغناء والمعازف محرم. وقد أوضحنا ذلك في الفتوى: 987.
والغناء المحرم -وإن كانت له لذة وهمية آنية في الدنيا-، فإنها تعقبها الندامة والحسرة، وتزداد تلك الندامة والحسرة إن انصرف به العبد عن ذكر الله تعالى، وانشغل به عنه، قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124}.
واستشناعك لما قالت شعور حسن طيب منك؛ لأنه دال على حياة قلبك، وتعظيمك لشعائر الله وحرماته، قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32}.
ونرجو ألا يكون ذلك من العجب المذموم المحبط للعمل، إذا كان ذلك إنما وقع منك غيرة على كتاب الله تعالى، وغضبًا من تلك المقالة.
ولم يتبين لنا أن ذلك مستلزم للتعيير الذي يخشى صاحبه أن يصيبه ما أصاب من عيَّره، ولكن إن كنت قلت ذلك تعييرًا لها، فاستغفري الله، وسليه العافية والسلامة من كل سوء.
ولا حقَّ عليك تجاهها حتى تستسمحيها.
وعلى فرض أن لها تجاهك حقًّا؛ فإن الحقوق المعنوية يكفي فيها الاستغفار لصاحب الحق، ولا يلزم استحلاله، وتنظر الفتوى: 18180.
واستغفارك لها فعل حسن على كل حال.
والله أعلم.