الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلنبدأ بالصلاة، فشأنها عظيم، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي الصلة بين العبد وربه، وأول ما يحاسب عليه العبد من أعماله يوم القيامة. فإن صلحت؛ فقد نجا، وإن فسدت؛ فقد خسر.
وتركها من كبائر الذنوب، ومن أسباب سخط علام الغيوب، بل إن بعض أهل العلم ذهب إلى كفر تاركها وخروجه من ملة الإسلام، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 1145.
فقد أخطأت خطأ بينا بإقدامك على تركها بسبب هذا التصرف السيء من أبيك، فالواجب عليك المبادرة للتوبة إلى الله سبحانه، وراجعي شروط التوبة في الفتوى: 5450.
وكرهك لأبيك بسبب هذا التصرف وما كان منه من تهديد لك بالقتل، لا حرج عليك فيه؛ فالكره ونحوه من الأمور القلبية لا اختيار للمرء فيها، ولذلك لا مؤاخذة عليه فيها، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}، وفي سنن ابن ماجة عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه.
ولكن يجب عليك الحذر من أن يدفعك هذا الكره لتصرفاته إلى ترك بره والإحسان إليه، أو أن يصدر منك ما يؤذيه بأي نوع من الأذى، فتكونين قد وقعت بذلك في العقوق، فمن حق الوالد أن يحسن إليه ولده وإن أساء، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 299887، وقد نبهنا فيها إلى الدعاء له بالهداية، فذلك من أعظم الإحسان.
ولا يلزم أن يكون برك بأبيك بنفس القدر الذي تبرين به أمك، ولكن عليك بره والإحسان إليه، فليصله منك من الإحسان ما أمكنك، ودفع الأذى عنه.
جاء في غذاء الألباب للسفاريني، وهو يبين معنى البر: وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ: إيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِن الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِن الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. اهـ.
والعرف معتبر في تحديد ما يحصل به البر والصلة، كما ذكر أهل العلم، فانظري الفتوى: 367546. ولمعرفة ضابط العقوق، راجعي الفتوى: 73485.
والله أعلم.