الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق وأن بينا المقصود بأمن الفتنة في الفتوى: 202576. وأن معنى الفتنة الجماع وما دونه.
وما أسميته بالشعور بالميل والرغبة في الاقتراب من المرأة:
فإن كان شعورًا يمر بخاطره، فلا يدافعه، بل يجعله يستقرّ في قلبه، ويسترسل في التفكير فيه، فهذا داخل في معنى ما دون الجماع؛ لكونه من وسائل الوقوع في الفاحشة، كما ثبت في الحديث المتفق عليه -واللفظ لمسلم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
قال النووي في شرح مسلم: إن ابن آدم قدر عليه نصيبه من الزنى، فمنهم من يكون زناه حقيقيًّا بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازًا بالنظر إلى الحرام... أو بالفكر بالقلب، فكل هذه أنواع من الزنى المجازي. اهـ.
وإذا كان هذا الشعور يمر بالخاطر، فيرفضه صاحبه، ويدافعه، ولا يترك له مجالًا للاستقرار في قلبه، فلا يؤاخذ به، قال ابن حجر في فتح الباري: قَالَ النَّوَوِيّ: فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى الْمَذْهَب الصَّحِيح أَنَّ أَفْعَال الْقُلُوب يُؤَاخَذ بِهَا، إِنْ اِسْتَقَرَّتْ, وَأَمَّا قَوْله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ، أَوْ تَعْمَل. فَمَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَسْتَقِرّ. قُلْت (أي: ابن حجر): وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ لِذَلِكَ مِنْ عُمُوم قَوْله: (أَوْ تَعْمَل)؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَاد هُوَ عَمَل الْقَلْب. اهـ.
والله أعلم.