الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فخصوصية الآخرين التي لا يحبّون في الغالب اطّلاع الآخرين عليها، قد جاء الشرع بالنهي عن إفشائها، روى أبو داود، والترمذي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حدث الرجل بالحديث، ثم التفت؛ فهي أمانة.
قال القاري في مرقاة المفاتيح: والمعنى: أن حكمه حكم الأمانة، فلا يجوز إضاعتها بإشاعتها... اهـ.
ويتأكد المنع من إفشائه إذا كان في ذلك ضرر بالآخر، قال صاحب الإنصاف: قال في أسباب الهداية: يحرم إفشاء السر. وقال في الرعاية: يحرم إفشاء السر المضر. اهـ.
ونقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن ابن بطال أنه قال: الذي عليه أهل العلم، أن السر لا يباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة. اهـ.
وكذلك الحال فيما إذا أوصى صاحبه بكتمانه، ونحو ذلك، قال السفاريني في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: ولعله يحرم إفشاء السرّ حيث أمر بكتمه، أو دلّت قرينة على كتمانه، أو ما كان يكتم عادة. اهـ.
وننبه إلى أنه قد ورد نهي خاص عن إفشاء أمور الاستمتاع بين الزوجين، وشبّهت السنة من يفشي مثل هذا السر بأبشع الألفاظ، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الطويل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ على من قالت: إنهم ليتحدثون وإنهن ليتحدثن - تعني: إفشاء كل من الزوجين سر الآخر - فقال: "هل تدرون ما مثل ذلك؟ فقال: إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانًا في السكة، فقضى منها حاجته، والناس ينظرون إليه. أخرجه أبو داود.
وثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول، أو فعل، ونحوه..... اهـ.
والله أعلم.