الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن علماء هذه الأمة هم أعلام هدى، ومصابيح دجى، نستنير بفهمهم لمعرفة معاني نصوص الكتاب والسنة، ولا شك أن ذلك أولى من فهمنا لأنفسنا، واحتمال الخطأ منهم أقل من احتمال الخطأ منا، قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا {النساء:83}.
وأولو الأمر كما قال ابن عباس وجابر -رضي الله عنهم-: هم الفقهاء والعلماء الذين يعلِّمون الناس معالِمَ دينهم. وهو قول الحسن والضحاك ومجاهد. كما ذكر البغوي في تفسيره. فلا سبيل لفهم نصوص ودلالات خطاب الله لعباده إلا بالاستعانة بفهمهم والاسترشاد بأقوالهم.
والقرآن قد دل على مزيد توكيد على الوصية بالأم، كما دلت السنة على ذلك، وكما سبق أن بيناه في الفتوى: 420094. والتكرار كما أنه يفيد التأكيد، فقد يفيد أيضا التأسيس، وإضافة معنى جديد.
ولا شك في أنه مطلوب من المسلم البر بوالديه على حد سواء، وأنه ينبغي له الاجتهاد في التوفيق بينهما في ذلك بحيث يكسب رضاهما معا. نقل القرافي في كتابه الفروق: أن رجلًا قال للإمام مالك -رحمه الله تعالى-: إن والدي في بلد السودان، وقد كتب إليّ أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له الإمام مالك: أطع أباك، ولا تعص أمك. اهـ.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية، في تفسير هذه العبارة قولهم: يعني أنه يبالغ في رضى أمه بسفره لوالده، ولو بأخذها معه؛ ليتمكن من طاعة أبيه، وعدم عصيان أمه. اهـ. أي: التوفيق بينهما في ذلك، بحيث يرضيهما معًا.
فالتوفيق بينهما هو الأصل، ويبقى بعد ذلك النظر فيما إذا حصل تعارض، ولم يكن من سبيل للتوفيق بينهما، وهنا يأتي القول بتقديم حق الأم على حق الأب لمزيد عناية الشرع بحقها، وما فهمته من دلالة التكرار على التأكيد كاف في الدلالة على تقديم حقها عند التعارض. وانظر الفتوى: 31902.
فالذي نوصيك به في الختام أن تواصل البر بوالديك، والعدل بينهما، والصبر على أمك، والعمل على مداراتها. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 76303.
والله أعلم.