الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه لا يجب تكرار الكفارة بتكرر الحنث؛ عملًا بالحديث الذي ذكره السائل: من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها؛ فليأتها، وليكفّر عن يمينه.
ولكن ماذا لو نوى الحالف التكرار، وتلفّظ بما يدل عليه، كأن يحلف على أنه كلما حصل كذا ليفعلن كذا.
الظاهر أن هذا يعامل بنيته، ولفظه، فكلما حصل ما حلف عليه، تجدد له يمين وحنث! وراجع في ذلك الفتويين: 136912، 137841.
وأما مذهب الحنابلة في ذلك، فلا نعلم لهم نصًّا عليه في كتاب الأَيْمان، ولكنهم ينصّون في باب الطلاق على أن تعليقه بلفظ: (كلما) يقتضي تكرار الطلاق كلما تكرر الشرط، وفي اقتضاء التكرار بلفظ: (متى) خلاف عندهم، قال ابن قدامة في العمدة: أدوات الشروط ست: إن، وإذا، وأي، ومتى، ومن، وكلما. وليس فيها ما يقتضي التكرار، إلا كلما.
وكلها إذا كانت مثبتة، ثبت حكمها عند وجود شرطها، فإذا قال: إن قمت؛ فأنت طالق. فقامت، طلقت، وانحلّ شرطه. وإن قال: كلما قمت؛ فأنت طالق. طلقت كلما قامت. اهـ.
وقال في الكافي: فإذا قال: إن قمت، أو إذا قمت، أو متى قمت، أو أي وقت قمت، أو من قام منكن، فهي طالق، فقامت، طلقت. وإن تكرر القيام، لم يتكرر الطلاق؛ لأن اللفظ لا يقتضي التكرار. وإن قال: كلما قمت، فأنت طالق، فقامت؛ طلقت. وإن تكرر القيام، تكرر الطلاق؛ لأن اللفظ يقتضي التكرار. وقال أبو بكر: في (متى) ما يقتضي تكرارها؛ لأنها تستعمل للتكرار. اهـ.
ومثل هذا الحكم لا يختلف فيه باب الأيمان عن باب الطلاق، وراجع في ذلك الفتوى: 391042.
وإذا كان الإنسان الطبيعي ذو العقل البسيط، عقله لا يقبل إلزام الشرع للمكلف ما ألزم به نفسه من مقتضى أيمانه، أو من طاعات التزم بها، فلغيره أن يستغرب من إنسان طبيعي أيضًا، أن يلزِم نفسه بكفارة كلما تنفّس، أو كلما خطا خطوة ما.
والله أعلم.