الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإننا أولاً نسأل الله عز وجل أن يجعل لكم من هذا الهم فرجاً ومخرجاً.
ولا شك أن ما أقدم عليه أبوكم وما فعله في حقكم جميعاً أمر محرم شرعاً ومما يؤسف له، وذلك أنه ضيعكم من ناحية النفقة والسكن والتربية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود والنسائي والحاكم، إلا أنه قال: "من يعول"، وحسنه الألباني.
وكان من المفترض أن يكون قائماً بحقكم أفضل قيام، لأنه حافظ لكتاب الله عز وجل، ومعلم يعلم الناس تعاليم الإسلام كما ذكرت.
وهذه الأعراض التي ذكرتها في السؤال من أنه كثير التجول ليلاً في الظلام ونحو ذلك، قد تكون ناتجة عن سحر، وقد تكون عن مرض نفسي، وكلا الأمرين محتمل.
ونحن ننصحكم بنصيحة تتلخص في ثلاث نقاط:
الأولى: التوبة الصادقة من جميع أفراد الأسرة إلى الله عز وجل، فلعل ما أصابكم كان بسبب ذنوب صدرت منكم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة".
وقال تعالى: فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ(الأنعام: من الآية42) ، وقال تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ(الأنعام: من الآية43).
فتوجهوا إلى الله عز وجل بالتوبة والتضرع والاستغفار لعله أن يرفع عنكم سبحانه وتعالى هذا البلاء.
الثانية: إذا وُجِد شخص قريب من والدكم يسامره ويحادثه فليذكِّره بالله عز وجل، وبسطوته وعقابه، وأنه مسؤول أمام الله عز وجل عن هذه الأسرة التي مزق شملها، فلعله أن يتأثر ويتوب ويرجع، وليحاول جاهداً إقناعه بضرورة العلاج إذا أمكن ذلك، بأن يعرض نفسه على طبيب نفسي، أو على من يعالج من المشايخ الثقات بالقرآن والأدعية المأثورة في السنة، فلعل الله عز وجل أن يشفيه، فإن امتنع من تمكين أحد لرقيته، فبالإمكان قراءة آيات الرقية على ماء يشربه، فإن ذلك نافع إن شاء الله، مع الإكثار من قراءة سورة البقرة في البيت، وإخراج وسائل الشيطان منه كالصور والتماثيل والكلاب.
الثالثة: إذا علمتم منه الصدود أو غلب على ظنكم عدم استجابته، فلكم أن ترفعوا أمركم إلى القضاء الشرعي لإلزامه بما يلزمه شرعاً تجاهكم، وتجاه أمكم، واعلموا أن هذا ليس من العقوق، قال صاحب الزاد: "وليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه إلا بنفقته الواجبة عليه، فإن له مطالبته بها، وحبسه عليها". ا.هـ
وقد دلت السنة على جواز مرافعة الأب ومخاصمته عند المحاكم، روى البخاري في صحيحه من حديث معن بن يزيد قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي، وخطب علي فأنكحني وخاصمت إليه.
كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيت بها فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن.
ففي هذا الحديث أن معنا خاصم أباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم له رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيه، حيث أقر أن المال الذي أخذه له، وأن هذا ليس من العقوق، قال الحافظ في الفتح: "وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن، وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقاً". ا.هـ
وعليه؛ فلا حرج عليكم في رفع قضية عند المحكمة الشرعية لأمكم تجاه أبيكم، بل لكم أيضاً أن ترفعوا أنتم أيضاً أمركم إلى المحكمة ليلزموه بما هو لازم شرعاً تجاهكم.
والله أعلم.