الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنفقة الأولاد لا تجب على أبيهم إذا استغنوا بمال، أو كانوا قادرين على الكسب.
قال المرداوي –رحمه الله- في الإنصاف: القدرة على الكسب بالحرفة تمنع وجوب نفقته على أقاربه. انتهى.
وإذا وجبت نفقة الأولاد على أبيهم؛ فليس من النفقة الواجبة مصاريف الدراسة الجامعية، كما بيناه في الفتوى: 59707.
وأمّا إذا احتاجوا إلى الزواج؛ فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الواجب على الأب تزويجهم إذا كان قادرا على ذلك.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وعلى الأبِ إعْفافُ ابْنِه إذا كانت عليه نَفَقَتُه، وكان مُحْتاجًا إلى الإعْفافِ. ذكَرَه أصْحابُنا. وهو قولُ بعْضِ أصْحابِ الشافعي. وقال بعْضُهم: لا يجبُ ذلك. ولَنا، أنَّه مِن عَمُودَيْ نَسَبِه، وتَلْزَمُه نَفَقَتُه، فيَلْزَمُه إعْفافُه عندَ حاجَتِه إليه، كأبِيه. انتهى.
والراجح عندنا وجوب التسوية بين الأولاد في الهبات والعطايا، ما لم يكن لبعضهم حاجة تقتضي تفضيله، وراجع الفتوى: 6242.
فإن كان أبوك قد فضّل ولده الكبير على سائر إخوته بالإنفاق على دراسته، وخطوبته على الوجه المذكور، بغير رضاهم؛ فالمفتى به عندنا أنّه فعل محرما، وعليه أن يتوب، ويسوّي بين أولاده، وليس على أخيك الأكبر رد ما أنفقه عليه أبوه، لأنّ الرجوع في الهبة يكون في حال بقائها عند الولد، أمّا إذا كانت قد خرجت عن ملكه؛ فعلى الأب أن يسوّي بين أولاده بأن يعطي سائرهم مثل ما فضل به بعضهم.
جاء في غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى: وَحَلَّ تَفضِيلٌ بِإِذْنِ بَاقٍ، وَإِلَّا أَثِمَ وَرَجَعَ إنْ جَازَ أَوْ أَعْطَى حَتَّى يَسْتَوُوا، فَلَوْ زَوَّجَ أَحَدَ ابْنَيهِ بِصَدَاقٍ مِنْ عِنْدِهِ وَجَبَ عَلَيهِ إعْطَاءُ الآخَرِ مِثلَهُ. انتهى.
قال الرحيباني في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى: وَلَا طَرِيقَ لَهَا (التسوية) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إلَّا بِعَطِيَّةِ الْآخَرِ، فَتَكُونُ وَاجِبَةً؛ إذْ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ هُنَاكَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَلَكَتْ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ. انتهى.
وعليه؛ فالواجب على أبيكم -إذا كان قادرا- أن يعطي بقية أولاده مثل ما أنفق على الولد الكبير زائدا عن الحاجة، إلا إذا رضي جميع الأولاد بما وقع من التفضيل، فلا حرج عليه حينئذ.
والله أعلم.