الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ثبت ما ذكرت عن أمّك من أنها تحادث رجلًا أجنبيًّا، وترسل له ما لا يرضي الله عز وجل، فلا شك في أنها على منكر وإثم مبين.
وأنت على صواب حين كرهت منها ذلك، فمن الإيمان الغيرة على حرمات الله عز وجل حين تنتهك، فقد ثبت في الصحيحين -واللفظ لمسلم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه.
ولا حرج عليك في كونك قد أصبحت لا تطيقين رؤيتها، إن كان ذلك في حدود العمل القلبي، ولم يترتب عليه أي نوع من الإساءة لأمّك؛ فأمور القلوب لا اختيار للمرء فيها؛ ولذلك لا يؤاخذ عليها صاحبها، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}، ولمعرفة ما يحصل به العقوق، راجعي الفتوى: 73463.
ونوصيك بكثرة الدعاء لأمّك أن يصلح الله حالها؛ فذلك من أعظم البر والإحسان، والله سبحانه لن يخيب من رجاه، وتضرع إليه ودعاه؛ فهو القائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}، وانظري الفتوى 119608، ففيها بيان آداب الدعاء وأسباب إجابته.
وإذا ثبت أنها لم تتب إلى الله، وأنها لا تزال على ما هي عليه، فاستمري في مناصحتها بالحسنى، وبيّني لها أنك تملكين ما يثبت أنها على هذه الحال، إن اقتضى الأمر ذلك، فإن انتهت واستقام أمرها، فذاك، وإلا فهدّديها بإخبار من يمكنهم زجرها عن فعلها هذا، فلعلها تخاف وتزدجر، فإن فعلت، فالحمد لله، وإلا فأخبريهم الحقيقة، من غير بيان تفاصيل المحادثات، ونحو ذلك.
وتخويفها من حساب وهمي، فيه نوع من الكذب؛ فالأصل في ذلك الحرمة، إلا إذا تعيّن سبيلًا لتحقيق المقصود الشرعي، وراجعي الفتوى: 111035.
والله أعلم.