الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا لم نسمع من شيخ الأزهر ما ذكرته السائلة من أنه جعل الحجاب فرضاً على المسلمة بشرط إقامتها في بلاد المسلمين فإنه يقر بأن الحجاب فرض على المسلمة في كل مكان، ولكن خلاصة ما سمعناه منه أن للدولة الكافرة أن تمنع من لبس الحجاب وأن ذلك حق لها.
وأنه إذا منعت الدولة من لبس الحجاب فإن للمسلمة خلع الحجاب لأنها مضطرة، واستشهد بقول الله عز وجل: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173].
وقد أخطأ في المسألتين:
أما المسألة الأولى: فهي إقراره بأن لهم أن يمنعوا المسلمات من ارتداء الحجاب، وهذا مخالف للشريعة وهو مخالف أيضاً لدستور تلك الدولة.
أما مخالفته للشريعة فوجهها أن تلك الدول ليس لها أن تنقض العهد الذي بينها وبين من أقام فيها من المسلمين بالحيلولة بينهم وبين القيام بشعائرهم الدينية التي أوجبها عليهم دينهم، إذ أنهم قد دخلوا تلك البلاد وأعطوا الأمان على ما اشتمله دستورها من حرية التدين وحق القيام بالشعائر الدينية، ومخالفة هذا نقض للعهد، وهذا غير جائز فضلاً عن أن يكون حقاً لهم كما زعم، وعجباً كيف يكون الصد عن سبيل الله ودينه حقا للبشر أيا كانوا.
هذا؛ والراجح من أقوال العلماء أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، أي أنهم يحاسبون على تركها في الآخرة ويعذبون لذلك كما دل على ذلك القرآن، فقد قال الله سبحانه عن أهل النار إنهم يقولون إذا سئلوا عن سبب دخولهم إياها قالوا، كما قال الله عز وجل عنهم: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ.... [المدثر:43-44]، فدلت الآية على أنهم يعذبون على تركهم الصلاة.
هكذا قرر هذه المسألة فقهاء المسلمين من الشافعية وغيرهم، فإذا كانوا يعذبون على ترك الفرع الواجب من فروع الشريعة فكيف يكون من حقهم أن يمنعوا الناس منه.
أما المسألة الثانية: فقوله إن المرأة المسلمة لها أن تنزع الحجاب بحكم الاضطرار، وهذا خطأ وخطؤه هذا الإطلاق الذي لم تراع فيه قيود الضرورة وضوابطها، إذ أن النساء يختلفن في هذا الحكم باختلاف أحوالهن.
فمن كانت قادرة على الهجرة من تلك البلاد إلى بلاد تتمكن فيها من إقامة دينها وجبت عليها الهجرة.
ومن كانت غير مضطرة للتعلم في مدارس تلك الدولة لم يجز لها خلع الحجاب، إذ لا ضرورة توجب ذلك، ومن اضطرت إلى الدراسة وتوافرت فيها ضوابط الضرورة المعتبرة عند العلماء، جاز لها من ذلك بقدر ما تدفع به ضرورتها، فلا تخرج إلا بقدر الضرورة، ولا تنزع من الحجاب إلا بقدر ما تدعو إليه الضرورة وهكذا...
وبهذا يعلم خطأ شيخ الأزهر في ما قاله، ونسأل الله عز وجل أن يرده إلى الصواب وأن يفرج عن المسلمين ما هم فيه.
والله أعلم.