الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فطاعة الوالدين واجبة في المعروف، وبرّهما من أعظم القربات، وعقوقهما من أقبح السيئات، وهذا مما لا يخفى على مسلم، لكن إذا كان هذا الشيخ لا يُنقَم عليه شيء في دِينه، ولا في علمه، ولا يدلّ إلا على السُّنَّة، فلا يحق لأبيك أن يمنعك من الاستفادة من علمه، وأدبه، وتربيته؛ لمجرد كونه مخاصمًا له.
وإذا منعك من الذهاب إليه، وأنت في حاجة إلى علم، أو أدب عنده، لا تجده عند غيره، فلا تجب عليك طاعته في ذلك؛ فطاعة الوالدين لها قيود وضوابط، بيناها في الفتوى: 76303.
فإن ذهبت لهذا الشيخ، أو تواصلت معه في هذه الحالة، فأَخْفِ ذلك عن والديك ما أمكن، واجتهد في كسب رضاهما، وبرّهما، والإحسان إليهما، والتلطّف لهما؛ عسى الله أن يشرح صدورهما لما فيه الخير.
وأما مسألة السكنى خارج البيت، فلا ننصحك بها في هذه الظروف؛ لأنها ستزيد الفجوة بينك وبين والديك، وربما تؤذيهما بها نفسيًّا إيذاء يجعلها من العقوق، إن لم تَدْعُ لها ضرورة، أو حاجة معتبرة شرعًا.
ومما يمكن أن يزيل الإشكال من أصله أن تجتهد في سبيل الإصلاح بين أبيك وبين هذا الشيخ؛ فالإصلاح بين المتخاصمين من أفضل القربات، كما بينا في الفتوى: 50300، ويمكنك أن تستعين في ذلك ببعض أهل الخير.
وقد أحسنت بصبرك على أمّك، رغم غضبها عليك، وسبِّها لك بغير وجه حق، ويجب عليك مع ذلك برّها؛ فمن حق الوالد الإحسان إليه، وإن أساء، كما بيناه في الفتوى: 370030.
والله أعلم.