الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في فتاوى كثيرة سابقة اختلاف الفقهاء فيمن نام قبل دخول الوقت، وعلم، أو غلب على ظنه أنه لا يستيقظ في الوقت. فمنهم من قال بتحريم النوم عليه، ومنهم من قال بالجواز.
جاء في حاشية الرملي على «أسنى المطالب في شرح روض الطالب» (4/ 343): إذَا نَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا نَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا نَامَ اسْتَغْرَقَ الْوَقْتَ بِالنَّوْمِ، وَأَخْرَجَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ. اهــ
وجاء «تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي» (1/ 429): وَمَحَلُّ جَوَازِ النَّوْمِ إنْ غَلَبَهُ بِحَيْثُ صَارَ لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعَهُ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْتَيْقِظُ، وَقَدْ بَقِيَ مِن الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا وَطُهْرَهَا، وَإِلَّا حَرُمَ وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ عَلَى مَا قَالَهُ كَثِيرُونَ. اهــ.
وفي حاشية الشرواني عليه: (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ) خَالَفَهُ النِّهَايَةُ، وَالْمُغْنِي فَقَالَا: فَإِنْ نَامَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ تَيَقُّظِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا. اهــ.
كما بينا أن من أهل العلم من أوجب عليه لو نام قبل الوقت أن يتخذ من الوسائل ما يعينه على الاستيقاظ في وقتها، وقد قال بهذا بعض الفقهاء المعاصرين، ولم نجده عند أحد من المتقدمين من أصحاب المذاهب الفقهية.
والذي يمكننا قوله باختصار ــ وذكرناه سابقا ــ هو أنه ينبغي لمن نام قبل دخول الوقت أن يتخذ من تلك الأسباب ما يعينه على الاستيقاظ للصلاة إبراء للذمة، وحرصا على أداء الصلاة في وقتها.
وأما حديث الرؤيا الذي قال فيه النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ. رواه البخاري وغيره، فقد بينا في الفتوى: 230932. أنه في حق من ينام، ولا يبالي بالصلاة، ولا يهتم بالاستيقاظ لها، بخلاف من غلبه النوم مع حرصه على أدائها، فإن هذا الذي جاء فيه حديث: ليس في النوم تفريط.
وانظر الفتوى المشار إليها، ففيها مزيد إيضاح حول الجمع بين الحديثين في النوم عن الصلاة المكتوبة.
والله أعلم.