الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص الفقهاء على أن طاعة الوالدين تجب فيما فيه مصلحة لهما، ولا ضرر على الولد، وأنه إذا شق عليه، ولم يضر وجبت الطاعة، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 76303.
وهو في الحقيقة ضابط مهم، يحترز به عما ذكره الهيتمي من أنه قد يكون الحامل للوالدين في أمرهما الولد بشيء، أو نهيهما عن شيء مجرد الحمق والتعنت، فلا تلزم به الطاعة، ويحترز به أيضا كذلك عما قد يكون من المشقة والأذى المحتمل، والذي لا تسقط به الطاعة.
وضابط الضرر قد بيناه أيضا في الفتوى: 139019، وبينا أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأعراف، فراجع التفصيل في هذه الفتوى التي أحلناك عليها.
وما سألت عنه من الهم والغم، والضغط النفسي، وخشية الاكتئاب؛ قد تختلف درجته، فيكون مشقة يمكن احتمالها، بل ومدافعتها، فلا يحصل للابن منها ضرر، وقد تكون شديدة لا يحتملها، فيتضرر منها حقيقة.
وكلام ابن حجر العسقلاني والهيتمي الذي أوردته بالسؤال جاء في بيان ضابط العقوق، وأن الولد إذا خالف والديه فيما كان لهما فيه مجرد التعنت والحمق أنه لا يكون عاقًّا بذلك، وهو يؤكد ما ذكره الفقهاء في ضابط طاعة الوالدين، وأنه يشترط أن يكون فيما فيه منفعة لهما من غير تعنت، أو إرهاق للولد.
والمثال الذي ذكرته والمتعلق بالجار، وقياس الوالدين على الجار؛ قياس مع الفارق الكبير، فقد أوجب الله تعالى طاعة الوالدين في المعروف، ولو كانا مشركين، ولم يوجب ذلك في حق الجار، ولو كان مسلمًا، والحق العظيم الذي جعله الشرع للجار لا يستلزم طاعته، بخلاف حق الوالدين.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 3109.
والله أعلم.