الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالحلف على المصحف، ليس من السنة، بل عدّه بعض أهل العلم بدعة، كما بينَّاه في الفتوى: 205759.
والحلف كذبًا محرمٌ، وهو كبيرة من الكبائر، كما بيناه في الفتوى: 196943.
وإذا انضم إليه الحلفُ بالله تعالى، كان أشد تحريمًا، وقد قال الله تعالى: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ, أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {المجادلة:14-15}.
وقد ذكر الفقهاء أنها من اليمين الغموس، وأنها لا كفارة فيها، إن كانت على أمر ماض، جاء في «كشاف القناع عن متن الإقناع»: الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي نَوْعَانِ: غَمُوسٌ، وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا عَلَى الْمَاضِي كَاذِبًا عَالِمًا، سُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُهُ -أَيْ: الْحَالِف بِهَا- فِي الْإِثْمِ، ثُمَّ فِي النَّارِ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا؛ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَعُدّ مِنْ الْيَمِينِ الَّتِي لَا كَفَّارَةَ فِيهَا الْيَمِينَ الْغَمُوسَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ. اهــ.
وجاء في فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: إذا حلف على شيء يعلم أنه كاذب فيه، فقد تحمل إثمين:
الإثم الأول: الكذب. والإثم الثاني: الاستهانة باليمين، حيث حلف على كذب، فيكون كمن قال الله فيهم: "ويحلفون على الكذب وهم يعلمون"، فعليه أن يتوب إلى الله من هذا الذنب الذي فعله، والذي تضمن سيئتين، ولا كفارة عليه؛ لأن الكفارة إنما تكون في الحلف على شيء مستقبل.
أما الحلف على شيء ماض، فهو إما سالم، وإما آثم، فإن كان يعلم أنه كاذب، أو يغلب على ظنه أنه كاذب، فهو آثم، وإن كان يعلم أنه صادق، أو يغلب على ظنه أنه صادق، فهو غير آثم.
أما الكفارة: فلا تجب في الحلف على أمر ماض، ولو كان كاذبًا فيه. اهـ.
وقد أخطأت أيضًا في مسّ المصحف وأنت جنب؛ فإن الجنب لا يجوز له مسّ المصحف، جاء في الموسوعة الفقهية: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِيَدِهِ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُصْحَفًا جَامِعًا لِلْقُرْآنِ ، أَمْ كَانَ جُزْءًا، أَمْ وَرَقًا مَكْتُوبًا فِيهِ بَعْضُ السُّوَرِ، وَكَذَا مَسُّ جِلْدِهِ الْمُتَّصِل بِهِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}، وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنْ لاَ يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ. اهــ.
وانظر الفتوى: 117506 في توبة من مسّ المصحف وهو على جنابة.
وكونك حلفت لأجل أن لا تهدم بيتك هذا القصد لا يبرر الحلف كذبًا؛ إذ يمكن تحصيله بطريقٍ غير الكذب.
والحلف كذبًا -وإن كان كبيرة، ويمين غموس كما بيناه في الفتوى: 335983- لكنه كسائر الذنوب إذا تاب العبد منها، تاب الله عليه، وغفر له.
والتوبة تكون بالندم، والعزم على عدم العودة مستقبلًا إلى الكذب، والحلف عليه.
والله أعلم.