الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سلكته هو الصواب، وهو التماس العذر لكل من أمك وزوجتك، والنسيان وارد في مثل هذا، وإصرار كل منهما على ما ذهبت إليه بناء على ما غلب على ظنها أنها صادقة فيه؛ أمر تُعذر فيه كل منهما، فجزاك الله خيرا على ما سلكت من مسلك الحكمة.
ونرجو أن تستمر في ذلك، وأن تحرص على الإصلاح ما بين أمك وزوجك؛ فإن الإصلاح بين الناس من أعظم القربات، قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء:114}.
وروى أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: الحالقة الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك الدين، كما يستأصل الموسى الشعر، وقيل: هي قطيعة الرحم والتظالم. قال الطيبي: فيه حث وترغيب في إصلاح ذات البين، واجتناب عن الإفساد فيها؛ لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق بين المسلمين، وفساد ذات البين ثلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه. اهـ.
وانتقاد إخوتك لك في تصرفك في هذا الموقف في غير محله، ولم يوفقوا فيما قالوا لك من أنه كان الواجب عليك تكذيب زوجتك إنصافا لأمك، فلا يجوز لك شرعا أن تظلم زوجتك مراعاة لأمك، فليس هذا من الإنصاف في شيء، ولا هو من البر بأمك.
والله أعلم.