الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في المفاضلة بين العزلة والمخالطة.
والصحيح أن المخالطة أفضل؛ لما يترتب عليها من المصالح العظيمة، ولأنها جادّة أنبياء الله ورسله وخيار أوليائه.
ومن ثم؛ فالذي ينبغي لك هو مخالطة الناس بما تتحقق به المصلحة، واعتزالهم فيما يفضي إلى مفسدة، فتخالطهم في الواجبات -كالجمع، والجماعات-، والمستحبات -كحلق الذكر، ومجالس العلم-، وتترك مخالطتهم فيما عدا ذلك من المباحات إلا بقدر الحاجة.
واحرص على لزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن فيه حياة القلب، وتخيّر الرفقة الصالحة التي تعينك على طاعة الله تعالى؛ فذلك أدعى إلى زيادة الإيمان وكماله.
وأما ما ذكرته من السبب الأول: فإنك لو جاهدت نفسك، وخالطت الناس مخالطة مشروعة، وحرصت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان ذلك من أعظم أسباب زيادة إيمانك.
وأما الحديث، فقد أجبنا عنه وعما يشبهه، وحررنا القول في هذه المسألة تحريرًا بالغًا، تحسن بك مراجعته في الفتوى: 158317.
وأما فعل الإمام مالك -رحمه الله- إن صح، فهو اجتهاد منه -رحمه الله-، خالفه فيه غيره.
ثم إن الإمام مالكًا لم يعتزل الناس عزلة تامة، وإلا فهذا علمه الجمّ، وحديثه وفقهه الكثير منتشر بين أيدي الناس، وما كان هذا ليظهر لو كان معتزلًا عزلة تامة بحيث لا يخالط أحدًا.
والله أعلم.