الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأب قد وهب لكل ابن من أبنائه شقة في حال صحته، ورشده. وحاز كل منهم ما وهب له؛ فالهبة صحيحة ماضية، وللموهوب له التصرف فيها؛ إذ الهبة عقد تمليك، ومقتضاه أن يكون من حق الموهوب له التصرف في الهبة على الوجه الذي يشاء، فإن شرط الواهب شرطا ينافي مقتضى هذا العقد، كشرطه ألا يبيعها، أو ألا يهبها، فلا يصح ذلك الشرط، وتكون الهبة صحيحة.
جاء في فتاوى العلي المالك بعدما ذكر جملة من الأقوال في المسألة قال: لكن الأظهر عندي بطلان الشرط، وصحة العقد كما تقدم. انتهى
وفي كشاف القناع ممزوجا بالإقناع: ولا يصح أيضا شرط ما ينافي مقتضاها أي: الهبة نحو اشتراط الواهب على المتهب أن لا يبيعها أي: العين الموهوبة، ولا يهبه، وأن لا ينتفع بها، أو وهبه عينا، ويشرط أن يبيعها، أو يهبها. فلا يصح الشرط؛ إذ مقتضى الملك التصرف المطلق، فالحجر فيه مناف لمقتضاه. انتهى.
وعليه؛ فإن حاز كل ابن شقته، فله التصرف فيها بما يشاء في حال حياة الأب، وبعد موته، ولا اعتبار لشرط عدم البيع، لكن إذا باع أيٌّ منهم شقته لأجنبي؛ فإنه يثبت حق الشفعة لجاره من ملاك الشقق الأخرى؛ سواء الأخت، أو غيرها.
وهذا على القول بثبوت الشفعة للجار، وهو الراجح -إن شاء الله- وفق ما بيَّناه في الفتوى: 35475.
ولا ينبغي للأبناء التصرف بما يغضب الأب حال حياته، كما ننصح بالسعي في المصالحة مع الأخت، وتجنب ما يثير الشقاق والنزاع بينهما وبينها؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى قطع الرحم، وحصول البغضاء، والحقد بين الإخوة.
وبقاء المودة والصلة أحق بأن يراعى، وألا يكون العرض الدنيوي الزائل سببا في فساد تلك المودة، وقطع الرحم.
والله أعلم.