الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمقاصة دين الزوج بنفقة زوجته تقع إذا رضي الزوج بذلك، وكانت المرأة موسرة.
قال السرخسي في «المبسوط»: إذا كان للزوج عليها دين فقال: احسبوا لها نفقتها منه. كان له ذلك؛ لأن أكثر ما في الباب أن تكون النفقة لها دينا عليه، فإذا التقى الدينان تساويا قصاصا، ألا ترى أن له أن يقاص بمهرها، فالنفقة أولى. اهـ.
وقال ابن نجيم في «الأشباه والنظائر»: لا تقع المقاصة بدين النفقة بلا رضاء الزوج، بخلاف سائر الديون؛ لأن دين النفقة أضعف، فصار كاختلاف الجنس، فشابه ما إذا كان أحد الحقين جيدا، والآخر رديئا. اهـ.
وجاء في «البحر الرائق» له: في سائر الديون تقع المقاصة، تقاصا أو لم يتقاصا، وهنا يحتاج إلى رضا الزوج لوقوع المقاصة؛ لأن دين النفقة أنقص من سائر الديون لسقوطه بالموت بخلاف سائر الديون، فكان دين الزوج أقوى، فيشترط رضاه بالمقاصة، كما لو كان أحد الدينين جيدا، والآخر رديئا. اهـ.
وقال ابن قدامة في «المغني»: من وجبت عليه نفقة امرأته، وكان له عليها دين، فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان نفقتها، فإن كانت موسرة، فله ذلك؛ لأن من عليه حق فله أن يقضيه من أيِّ أمواله شاء، وهذا من ماله، وإن كانت معسرة، لم يكن له ذلك؛ لأن قضاء الدين إنما يجب في الفاضل من قوته، وهذا لا يفضل عنها، ولأن الله تعالى أمر بإنظار المعسر، بقوله سبحانه: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} فيجب إنظارها بما عليها. اهـ.
والله أعلم.