الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا كان أخوك قد أخذ الزكاة على اعتبار أنه فقير عاجز عن النفقة الواجبة عليه لأولاده؛ فإنه يملك ما أخذه من الزكاة، ولا يرده لو استغنى قبل أن يصرفه.
وإن أخذ الزكاة على أنه مدين فقط، فقد نص الفقهاء على أن المدين إذا استغنى بعد أخذ الزكاة، أو لم يصرفها في دينه، أو بقي معه شيء منها؛ فإنه يردها.
جاء في «الشرح الكبير على المقنع ت التركي» (7/ 264): أصْنافُ الزَّكاةِ قسمان؛ قسمٌ يَأْخُذُونَ أخْذا مُستَقِرًّا، فلا يُراعَى حَالُهم بعدَ الدَّفْع، وهم الفُقراءُ، والمَساكِينُ، والعامِلُون، والمُؤَلَّفَةُ، فمتى أخَذُوها مَلَكُوها مِلْكًا مُسْتَقِرًّا، لا يَجبُ عليهم رَدُّها بِحَالٍ. وقِسْمٌ يَأْخُذُون أخْذًا مُراعًى، وهم أَرْبَعَةٌ؛ المُكاتَبُون، والغارِمُون، والغُزَاةُ، وابنُ السَّبِيلِ، فإن صَرَفُوه في الجِهَةِ التي اسْتَحَقُّوا الأخْذَ لأجْلِها، وإلَّا اسْتُرْجِعَ منهم. والفَرْقُ بينَ هذا القِسْمِ والذي قَبْلَه، أنَّ هؤلاء أخَذُوا لمَعْنًى لم يَحْصُلْ بأخْذِهم للزكاةِ، والقِسم الأوَّلُ حَصَل المَقْصُودُ بأخْذِهم، وهو غِنَى الفُقراءِ والمَساكِينِ، وتَألِيفُ المُؤَلَّفِين، وأداءُ أجْرِ العامِلِين. وإن قَضَى المذْكُورُون في القِسْمِ الثَّانِي حاجَتَهم، وفَضَل معهم فَضْلٌ رَدُّوا الفَضْلَ؛ لأنَّهم أخَذُوه لِلحاجَةِ، وقد زَالَتْ. اهــ.
وعليه؛ فإذا كان أخوك أخذ الزكاة لفقره وعجزه عن النفقة على أولاده الواجبة عليه، فإنه يملك الزكاة بمجرد أخذه لها، فلو استغنى عنها بعد ذلك لم يلزمه ردها.
وننبهك أخيرا إلى أنه إذا كان أخوك قادرا على الكسب، فإن في إعطائه الزكاة خلافا بين الفقهاء، فمنهم من يرى أنه لا يعطى من الزكاة، ومنهم من يرى أنه يعطى.
جاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية» (23/ 315): إِعْطَاءُ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ الْقَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ: مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَادِرًا عَلَى كَسْبِ كِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ، أَوْ تَمَامِ الْكِفَايَةِ، لَمْ يَحِل لَهُ الأَخْذُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَلَا يَحِل لِلْمُزكِّي إِعْطَاؤُهُ مِنْهَا، وَلَا تُجْزِئُهُ لَوْ أَعْطَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ، لِقَوْل النَّبِيِّ فِي الصَّدَقَةِ: لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ. وَفِي لَفْظٍ لَا تَحِل الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى مَنْ يَمْلِكُ أَقَل مِنْ نِصَابٍ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا، لأَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ، وَهُمَا مِنْ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ؛ وَلأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَاجَةِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا، فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا، وَهُوَ فَقْدُ النِّصَابِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي قِصَّةِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ سَابِقًا، وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْسِمُ الصَّدَقَاتِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ يَسْأَلَانِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ فَقَال: إِنَّهُ لَا حَقَّ لَكُمَا فِيهِ، وَإِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، لأَنَّهُ أَجَازَ إِعْطَاءَهُمَا، وَقَوْلُهُ: لَا حَقَّ لَكُمَا فِيهِ مَعْنَاهُ لَا حَقَّ لَكُمَا فِي السُّؤَال.
وَمِثْلُهُ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ، إِلَاّ أَنَّ الْحَدَّ الأَدْنَى الَّذِي يَمْنَعُ الاِسْتِحْقَاقَ عِنْدَهُمْ هُوَ مِلْكُ الْكِفَايَةِ لَا مِلْكُ النِّصَابِ، كَمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. اهــ.
والمفتى به عندنا أن القادر على الكسب الواجد للعمل لا يعطى من الزكاة، كما في الفتوى: 95068.
والله أعلم.