الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم إذا أراد أن يذكر ربه، أن يذكر بحضور قلبه، مستجمعا فكره، مستحضرا عظمة الله جل جلاله، متفكرا في معاني ما يقوله بلسانه سواء كان تسبيحا أو تحميدا، أو استغفارا، أو صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمثلا إذا قلت: سبحان الله وبحمده، تستحضر تقديس الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق بذاته العلية، والثناء عليه بكل ما هو أهله؛ إذ ليس من شك في أن أفضل الذكر قاطبة ما تواطأ عليه القلب واللسان، فإن عزب القلب وانفرد اللسان، ففيه خير وأجر أيضا، لكنه يبقى دون مرتبة الذي قبله.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه، وإن انضاف للنطق الذكر بالقلب فهو أكمل. انتهى.
لكننا ننبهك إلى أنه لا يشترط أن تستصحب التفكر في خلق الله للمخلوقات من طيور وجبال وأنهار، فالتفكر في مخلوقات الله وبديع صنعه في الكون مطلوب ومأمور به شرعا، لكن لا يلزم أن يظل الذاكر مستحضرا له مدة ذكره.
هذا؛ وإن ذكر اللسان بدون حضور القلب وإن كان أقل درجة من ذكر القلب واللسان -كما ذكرنا- إلا أنه يحقق للذاكر فوائد عديدة منها:
تعويد اللسان على الذكر، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم، إلى ذلك بقوله للأعرابي الذي سأله: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله. رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.
كما أن فيه شغلاً عن الباطل من الغيبة والنميمة واللغو، كما قيل: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، كما أنه أعون على طرد الشيطان، وأبعد عن الغفلة.
قال ابن عباس: في قوله تعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:4]: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، إذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس. ذكره ابن كثير وغيره في تفسير الآية.
إذا تقرر هذا، فاعلم أيها الأخ الكريم أن ذكرك بحضور قلبك وفكرك، أفضل. وإن غفل قلبك وأنت تذكر، فأنت في خير أيضا.
ولكن احذر كل الحذر من وساوس الشيطان وهواجسه التي من لم يحترز منها نغصت عليه حياته وعبادته وذكره، وأردته في دركات لا تحمد عاقبتها.
والله أعلم.