الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هاتين الدجاجتين مال، والمال لا تجوز إضاعته، إن أمكن الانتفاع به.
وعلى ذلك؛ فلو أمكن الانتفاع بهما على وجهٍ لا ضرر فيه، فانتفعْ بهما في نفسك، أو أعطِهما لمن ينتفع بهما.
وإن لم يمكن ذلك، وخيف منهما الضرر، فاذبحهما لإراحتهما، وارمِ جثتيهما في مكان يؤمن فيه لحوق الضرر منهما.
وأما تركهما في الغابة بحالهما، ففيه تعريض لهما لافتراس السباع، وفي ذلك ما لا يخفى من إهانتهما، قال المواق -المالكي- في التاج والإكليل: سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الدَّابَّةِ الَّتِي يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، تَعْيَا فِي أَرْضٍ لَا عَلَفَ فِيهَا، فَقَالَ: يَدَعُهَا، وَلَا يَذْبَحُهَا. قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ دَابَّةٌ مَرِيضَةٌ يَئِسَ مِنْ النَّفْعِ بِهَا عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، فَذَبْحُهَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَرْكِهَا.
ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا قَالَ فِي الدَّابَّةِ الَّتِي تَعْيَا أَنَّهُ يَدَعُهَا؛ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَهَا مَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا حَتَّى تَصِحَّ، ثُمَّ إنْ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا قَدْ صَحَّتْ عِنْدَ الَّذِي قَامَ عَلَيْهَا، فَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا، بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الَّذِي قَامَ عَلَيْهَا مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَاسْتَحَبَّ فِي الَّتِي يَئِسَ مِنْ الْمُنْتَفَعِ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يَذْبَحَهَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رَاحَتَهَا. اهــ.
وفي النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني: ومن وقف له بعير في سفر لا يحتاج إلى لحمه، أو لما به من العجف والمرض، فليدعه ولا يعقره، إلا أن يبلغ مرضه أن لا يبقى فيه نهضة، أو كسر أو أسقطه الجوع، فلينحره، إلا أن يكون مما يعاف ويستقذر، ويخاف على آكله، فلا يذبحه، وليقتله، كان في سفر أو حضر، ... وكذلك الشاة والبقرة، إلا أنه لا يدعها وإن استغنى عن لحمها بخلاف البعير؛ لأن معه حذاءه وسقاءه، إلا أن يبلغ من الخوف بالمرض ما لا تحامل معها، ويعاف لحمها، ويخاف على من أكله، فليجهز عليهما بالقتل، والدابة التي لا يؤكل لحمها إذا بلغت مبلغًا لا يرجى، فليقتلها بغير ذبح ببلد الإسلام أو الكفر، وأما التي ترجى، فليدعها ببلد الإسلام، وإن كان موضعًا لا رعي فيه، وإن كانت ببلد الكفار، فليقتلها. اهــ.
والله أعلم.