الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا كلام صحيح، فإن الصحابة -رضوان الله عليهم- هم أفهم الناس لكلام الله، وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهم أقوم هذه الأمة بدين الله، وأعمقها علما، وأسدها هديا، وأقلها تكلفا، ومن ثَمَّ كان قول الصحابي الذي لم يخالفه غيره حجة عند كثير من أهل العلم، وانظر الفتوى: 276598.
قال المحقق ابن القيم -رحمه الله- في بيان هذه الحقيقة التي لا مراء فيها، وهي كون الصحابة -رضوان الله عليهم- أعلم وأفهم من كل من جاء بعدهم: ثُمَّ قَامَ بِالْفَتْوَى بَعْدَهُ بَرْكُ الْإِسْلَامِ وَعِصَابَةُ الْإِيمَانِ، وَعَسْكَرُ الْقُرْآنِ، وَجُنْدُ الرَّحْمَنِ، أُولَئِكَ أَصْحَابُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَلْيَنُ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا، وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا، وَأَحْسَنُهَا بَيَانًا، وَأَصْدَقُهَا إيمَانًا، وَأَعَمُّهَا نَصِيحَةً، وَأَقْرَبُهَا إلَى اللَّهِ وَسِيلَةً، وَكَانُوا بَيْنَ مُكْثِرٍ مِنْهَا وَمُقِلٍّ وَمُتَوَسِّطٍ.
ثم ذكر جملة من نقلت عنهم الفتوى من الصحابة ثم قال: وَكَمَا أَنَّ الصَّحَابَةَ سَادَةُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَقَادَتُهَا فَهُمْ سَادَاتُ الْمُفْتِينَ وَالْعُلَمَاءِ. قَالَ اللَّيْثُ عَنْ مُجَاهِدٍ: الْعُلَمَاءُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6] قَالَ: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-.
وقال أيضا -رحمه الله-: وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ، وَعَرَفُوا التَّأْوِيلَ، وَظَفِرُوا مِن الْعِلْمِ بِمَا لَمْ يَظْفَرْ بِهِ مَنْ بَعْدَهُمْ؛ فَهُمْ الْمُقَدَّمُونَ فِي الْعِلْمِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، كَمَا هُمْ الْمُقَدَّمُونَ فِي الْفَضْلِ وَالدِّينِ، وَعَمَلُهُمْ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي لَا يُخَالَفُ. انتهى
وقرَّر -رحمه الله- من وجوه كثيرة حجية قول الصحابي في كتابه إعلام الموقعين، والكلام في تقرير هذه القاعدة للعلماء كثير جدا، وهي بحمد الله غنية عن التطويل لاتضاحها وتبينها.
والله أعلم.