الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرًا على حرصك على الاستقامة، ومراعاة ضوابط الشرع، والحذر من الإثم، فنسأله تعالى أن يحفظك، وأن يرزقك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى.
وسبق أن بينا حكم حضور الوليمة المشتملة على منكر، وذكرنا أقوال الفقهاء فيمن علم بالمنكر ولا يقدر على تغييره هل يجوز له الحضور أو لا، ورجّحنا القول بالمنع، فيمكن مطالعة الفتوى: 402421.
ولكن إن كان هنالك حرج كبير يلحقك بعدم الحضور؛ فيمكنك الحضور رمزيًّا للتهنئة، والدعاء بالخير والبركة، والانصراف بلطف مع الاعتذار؛ أخذًا بما ذهب إليه بعض الفقهاء من جواز الحضور مع الإنكار بالقلب، وكلامهم مذكور في النص المنقول عن الموسوعة الفقهية في الفتوى التي أحلناك عليها.
والأخذ بالرخصة عند الحاجة -دفعًا للحرج- مما نصّ عليه بعض العلماء، قال السبكي في «الإبهاج في شرح المنهاج»: والاختلاف على ثلاثة أقسام:
أحدها: في الأصول، وهو المشار إليه في القرآن، ولا شك أنه بدعة وضلالة.
والثاني: في الآراء والحروب هو حرام أيضًا؛ لما فيه من تضييع المصالح.
والثالث: في الفروع، كالاختلاف في الحِلّ والحرمة، ونحوهما.
قال والدي -أيَّدَه الله-: والذي يظهر لنا، ويكاد أن يُقطَع به: أن الاتفاق فيه خير من الاختلاف، لكن هل نقول: الاختلاف ضلال كالقسمين المذكورين أو لا. كلام ابن حزم ومن سلك مسلكه ممن منع التقليد يقتضي أنه مثلهما. وأما نحن فإنه يجوز التقليد للجاهل، والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات عند مسيس الحاجة من غير تتبّع الرخص؛ ومن هذا الوجه يصحّ أن يقال: الاختلاف رحمة؛ إذ الرُّخَص رحمة. انتهى.
والله أعلم.