الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلماء اشترطوا لجواز عمل المسلم للكافر أن لا يعمل في شيء محرم كعصر الخمر ورعي الخنزير والتجسس على المسلمين، ومن ذلك أيضا أن لا يعمل لهم عملا يحصل منه تعظيم دينهم، كتغليف كتبهم الدينية، والكتب الخاصة بالكنيسة أو كتب القسيسين، فكل ذلك مما لا يجوز، لأنه إعانة لهم على دينهم وعقيدتهم الفاسدة، واعتراف بما هم عليه، وكما أن هذه لا يجوز العمل فيها، فإن العمل في التصميمات الخاصة بعلب مصانع الدخان لا يجوز أيضا، ففي كل من هذا وذلك تعاون على الإثم والمعصية، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة: 2).
ثم اعلم أن فعلك هذا لا يبرره كونه من أجل مطبعة أبيك، فإن واجبك نحو أبيك أن تبره وتحسن إليه وتقوم بكافة حقوقه، وتطيعه في كل معروف يأمرك به، وأما إذا أمرك بمعصية، فلا طاعة له حينئذ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. رواه الشيخان.
وروى أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأما عن كيفية رفض هذا الأمر إذا جاء من الأب، فالأحسن أن يكون بالحكمة، كما أمر الله تعالى، حيث قال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل: 125)، فتبدأ أولا بتعريفه الحكم الشرعي في الموضوع، ثم تذكره بوجوب طاعة الله وحرمة معصيته، وأن هذه النعمة التي أنعم الله عليكم بها تستوجب منكم الشكر، ومن تمام شكر النعمة أن تصرف في طاعة الله، ويُنأى بها عن معصيته، وفي ذلك وعد سبحانه وتعالى بالزيادة في الإنعام. قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (ابراهيم: 7) فإذا يئست من إصغائه لذلك وعرفت أنه لا يقبله بحال من الأحوال، كان من حقك ومن واجبك أن ترفض العمل في الأمور المحرمة رفضا باتا، وليس ذلك حينئذ من العقوق، بل ستكون مثابا عليه إن شاء الله.
والله أعلم.