الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يزال الله -تعالى- يقبل توبة العبد ما تاب العبد إليه، فإياك واليأس من رحمة الله، والقنوط من روح الله، قال تعالى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}، وقال: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}.
فمهما تكرر منك الذنب، فتب كلما أذنبت. وإذا عدت فأذنبت، فعد إلى التوبة ولا تمل مهما وقع منك هذا؛ فإن الله -تعالى- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. ومهما كان ذنبك عظيما فإن عفو الله أعظم، ورحمته- سبحانه- قد وسعت كل شيء.
قال ابن القيم رحمه الله: وَمن أوجب الْوَاجِبَات التَّوْبَة بعد الذَّنب، فضمان الْمَغْفِرَة لَا يوجّب تَعْطِيل أَسبَاب الْمَغْفِرَة. وَنَظِير هَذَا قَوْله فِي الحَدِيث الآخر: أذْنب عبد ذَنبا فَقَالَ: أَي ربّ أذنبت ذَنبا فاغفره لي؛ فغفر لَهُ. ثمَّ مكث مَا شَاءَ الله أَن يمْكث، ثمَّ أذْنب ذَنبا آخر فَقَالَ: أَي ربّ أصبت ذَنبا فَاغْفِر لي؛ فغفر لَهُ. ثمَّ مكث مَا شَاءَ الله أَن يمْكث، ثمَّ أذْنب ذَنبا آخر فَقَالَ: رب أصبت ذَنبا فاغفره لي. فَقَالَ الله: علم عَبدِي أَن لَهُ رَبًّا يغْفر الذَّنب وَيَأْخُذ بِهِ؛ قد غفرت لعبدي فليعمل مَا شَاءَ. فَلَيْسَ فِي هَذَا إِطْلَاق وَإِذن مِنْهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي المحرّمات والجرائم، وَإِنَّمَا يدل على أَنه يغْفر لَهُ مَا دَامَ كَذَلِك إِذا أذْنب تَابَ. واختصاص هَذَا العَبْد بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ قد علم أَنه لَا يصر على ذَنْب، وَأَنه كلما أذْنب تَابَ، حكم يعم كل من كَانَت حَاله، حَاله. انتهى.
وإذا علمت ما مر، فإن القول الصادر عنك لا يعد يمينا ولا نذرا، ولا يلزمك به شيء.
والله أعلم.