الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بحرصك على الصلح بين والديك، واجتماع الشمل، وقد قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {النساء:128}؛ ولذلك جاء الشرع بالحثّ على الإصلاح بين المتخاصمين، وبيَّن أنه من أعظم القربات، وأفضل الطاعات، كما سبق بيانه في الفتوى: 50300.
وإذا كان هذا في حق عامّة الناس؛ فإنه يتأكد في حق الزوجين؛ لخطورة الآثار التي تترتب على الخصومة بينهما؛ ولأنهما محط نظر الشيطان، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة، أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم، فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال: ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته؛ حتى فرّقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت.
ومن أعظم ما يمكن أن يعينك في تحقيق الإصلاح بين والديك: كثرة الدعاء لهما، وتحرّي الأوقات والأحوال المناسبة لإجابة الدعاء، فقد ندب الله سبحانه للدعاء، فقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وراجعي آداب الدعاء في الفتوى: 119608.
وقلوب العباد بين أصابع الرحمن، يقلّبها كيف يشاء، كما ثبت في السنة الصحيحة.
وإضافة إلى ما تقومين بنصحهما في هذا السبيل، يمكنك أيضًا الاستعانة ببعض الموثوقين عندهما، ومن يغلب على الظن قبولهما قوله.
وعليك بتحرّي الحكمة في التعامل مع والديك؛ بالقيام بما تتحقق به صلة كل من والديك، وكسب رضاهما، كزيارة أبيك بغير علم أمّك.
وإن لم تتمكني من الزيارة، فصليه بما هو ممكن من وسائل الصلة الأخرى؛ كالاتصال عليه، وتفقّد أحواله، ومساعدته بما قد يحتاج إليه، ونحو ذلك، مما يعتبر صلة عرفًا، فقد نقل القرافي في كتابه: الفروق: أن رجلًا قال للإمام مالك -رحمه الله تعالى-: إن والدي في بلد السودان، وقد كتب إليّ أن أقدم عليه، وأمّي تمنعني من ذلك، فقال له الإمام مالك: أطع أباك، ولا تعصِ أمّك. اهـ.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية، في تفسير هذه العبارة قولهم: يعني أنه يبالغ في رضا أمّه بسفره لوالده، ولو بأخذها معه؛ ليتمكن من طاعة أبيه، وعدم عصيان أمّه. اهـ. أي: التوفيق بينهما في ذلك، بحيث يرضيهما معًا.
ولمزيد الفائدة، راجعي الفتوى: 108442، والفتوى: 132259.
والله أعلم.