الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرت من ظلم والديك لك، وقسوتهما عليك، وإساءتهما معاملتك، خلاف الأصل الذي هو كون الوالدين قد جبلا على الشفقة على الأولاد، والحرص على مصلحتهم، وعدم إلحاق أي نوع من الضرر والأذى بهم، وخاصة البنات؛ لضعفهنّ، وحاجتهنّ لمزيد من الرعاية، والعناية؛ ولذلك جاءت نصوص خاصة في فضل تربيتهنّ، والإحسان إليهنّ، ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه.
وكون الأمر يصل لدرجة اتّهامك في شرفك، فهذا أمر في غاية الغرابة والخطورة، فقد قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}، وراجعي الفتوى: 93577.
ومن أهم ما نرشدك إليه البحث عن سبب هذه المعاملة السيئة، والعمل على العلاج بما يناسب، فقد يكون وقع منك تصرف غير مقصود أغضبهما، أو شيئًا أساءا فهمه.
ويمكنك طلب الشفاعة عندهما من بعض من له مكانة عندهما؛ ليعين على الإصلاح.
وقد أحسنت بصبرك على هذا الجفاء من والديك، وحرصك على برّهما، والإحسان إليهما، والدعاء لهما بخير، والحذر من الوقوع في العقوق، فجزاك الله خيرًا.
وما كان منك من زلّة، ورفع الصوت عليهما في إحدى المرات، أمر منكر، وقد أحسنت بالندم عليه، ولكن اجعلي من هذا الندم توبة باستيفاء شروطها، وهي مبينة في الفتوى: 29785.
ولا حرج عليك في الابتعاد عنهما، وتقليل الكلام معهما بالقدر الذي يدفع عنك أذاهما، مع الحرص على برّهما، والإحسان إليهما بما هو ممكن، ومن ذلك الاستمرار في الدعاء لهما، وتفقّد حالهما، وكل ما يمكن فعله من البرّ، والإحسان، جاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب في بيان معنى البر: وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ: إيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الشَّرِّ، بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. اهـ.
والله أعلم.