الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد الذي اختص الله به وحده -تعالى- هو الحمد الكامل التام من جميع الوجوه، وهو الحمد المستغرق لجميع المحامد، فلا يستحق غيره هذا النوع من الحمد.
وأما حمد البشر على ما يأتون به من جميل الفعال بحسبهم، فجائز لا حرج فيه، والتفريق بين الحمد والشكر بما ذكر بأن الحمد خاص بالله تعالى. والشكر هو الذي يمكن صرفه للمخلوق. لا نعلم قائلا به من أهل العلم، ولمعرفة الفرق بين الحمد والشكر، انظر الفتوى: 177001.
ولا ريب في استحقاق النبي صلى الله عليه وسلم، للحمد، بل الله -تعالى- سماه بهذا الاسم الكريم؛ لما يستحقه من المحامد صلوات الله عليه.
قال القرطبي: فَالْحَمْدُ نَقِيضُ الذَّمِّ، تَقُولُ: حَمِدْتُ الرَّجُلَ أَحْمَدُهُ حَمْدًا، فَهُوَ حَمِيدٌ وَمَحْمُودٌ، وَالتَّحْمِيدُ أَبْلَغُ مِنَ الْحَمْدِ. وَالْحَمْدُ أَعَمُّ مِنَ الشكر، والمحمد: الذي كثرت خصاله الْمَحْمُودَةِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ
وَبِذَلِكَ سُمِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الشاعر:
فَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
وَالْمَحْمَدَةُ: خِلَافُ الْمَذَمَّةِ. وَأَحْمَدَ الرَّجُلُ: صَارَ أَمْرُهُ إِلَى الْحَمْدِ. وَأَحْمَدْتُهُ: وَجَدْتُهُ مَحْمُودًا، تَقُولُ: أَتَيْتُ مَوْضِعَ كَذَا فَأَحْمَدْتُهُ، أَيْ صَادَفْتُهُ مَحْمُودًا مُوَافِقًا، وَذَلِكَ إِذَا رَضِيتَ سُكْنَاهُ أَوْ مَرْعَاهُ. انتهى.
فاعتقاد أن نسبة الحمد إلى المخلوق لكونه سببا للخير ونحو ذلك، بحسب ما جعله الله له من المحامد شرك، هو من الغلو الذي يبدو أنك مصاب به. فعليك أن تدع هذه الوساوس وتعرض عنها، ولا تعيرها اهتماما؛ فإن الاسترسال معها يفضي بك إلى شر عظيم.
والله أعلم.