الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرت في السؤال أنك تنازلت عن كل أملاكك، لكنك لم تبين لمن تنازلت، وهل حين تنازلت عنها أقبضتها لمن وهبتها له، فحازها؟ أم لم يتم ذلك؟ ولا يمكننا فرض كل الاحتمالات المتعلقة بهذا، والجواب عنها.
ولذا سنجمل الجواب فيما يلي:
أولا: التنازل عن الملك للغير يعتبر هبة، والهبة إذا تمت بشروطها بحيث كان الواهب مُؤَهَّلًا للتصرف وقت الهبة، وتمت حيازتها من طرف الموهوب له حيازة تامة، بحيث يصبح متصرفا فيها تصرف المالك في ملكه، ويرفع الواهب عنها يده تمامًا، وتم كل هذا قبل موت أحدهما، أو فلس الواهب؛ فإنها تمضي، ولا يحق للواهب الرجوع فيها؛ لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته، كالكلب يعود في قيئه. انتهى.
وأما إذا لم تستوف الهبة شروطها؛ كألا يقبضها الموهوب له، فلصاحبها الرجوع فيها؛ لما روى الإمام مالك في الموطأ: أن أبا بكر وهب لعائشة رضي الله عنها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية، فلما مرض مرضه الذي توفي فيه، قال لها: كنت قد نحلتك عشرين وسقا، ولو كنت قبضتيه، أو حزتيه كان لك، فإنما هو اليوم مال وارث، فاقتسموه على كتاب الله تعالى. انتهى
وقال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: ولا تتم هبة، ولا صدقة، ولا حبس؛ إلا بالحوز. انتهى.
وعلى هذا الاحتمال يجوز لك الرجوع عما تنازلت عنه قبل قبض الموهوب له.
وفي المسألة زيادة تفصيل حول ما إذا كان الموهوب له ابنا مثلا، وكذلك حول تبرع المرء بكل ماله، وقد بينا طرفا من ذلك في الفتوى: 76789.
وعلى كل؛ فينبغي لك مشافهة أهل العلم حيث أنت لتفصل لهم المقصود، وليستفصلوا منك عما ينبغي الاستفصال عنه.
والله أعلم.