الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن فاتته صلاة أو أكثر من صلاة؛ فالواجب عليه المبادرة إلى قضائها فورا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: من نسي الصلاة، فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: وأقم الصلاة لذكري. رواه مسلم.
وروى البخاري ومسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من نسي صلاة، فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك.
وعند أبي داود: من نام عن صلاة، أو نسيها، فليصلها متى ذكرها. رواه أبو داود.
ويصلي تلك الصلوات الأربع مرتبة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حُوصرَ يومَ الأحْزابِ، وفاتته الظهرَ، والعصرَ، والمغرِبَ، والعشاءَ صلاها مرتبة في مقام واحد.
ففي مسند الشافعي من حديث أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الْأَحْزَاب: 25]، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَالًا فَأَمَرَهُ، فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيَهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [الْبَقَرَة: 239].
وقد اختلف العلماء في حكم ترتيب الفوائت نفسها، وترتيبها مع الصلاة الحاضرة، فذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الترتيب بين الفوائت، وبين فرض الوقت واجب، وذهب المالكية إلى أن ترتيب الفوائت واجب إذا كانت هذه الفوائت يسيرة: أربعًا أو خمسًا.
قال خليل: وجب قضاء فائتة مطلقًا، ومع ذكر ترتيب حاضرتين شرطًا، والفوائت في أنفسها، ويسيرها مع حاضرة. انتهى
وذهب الشافعية إلى أن الترتيب بين الفوائت وبين فريضة الوقت إنما هو مستحب فقط، قال في المجموع: إذا فاته صلاة أو صلوات استحب أن يقدم الفائتة على فريضة الوقت المؤداة. انتهى.
وعلى كل، فالأحوط هنا هو الترتيب بين تلك الصوات الأربع الفائتة، ولو كانت مع حاضرة.
ثم ننبهك إلى أن تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها إن لم يكن لعذر؛ كنسيان، أو نوم؛ أمر لا يجوز، وهو مخالفة صريحة لقول الله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {النساء:103}. حيث إن للصلاة مواقيت محددة، حددها الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز تأخيرها حتى يخرج وقتها.
وأيضا صاحب هذا الفعل داخل تحت عموم قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ {الماعون4، 5}. أي الذين يؤخرونها عن أوقاتها.
والله أعلم.