الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآية التي أشرت إليها، وردت في شأن الزوجين، وترتب حقوق بعضهما على بعض، وأن للزوج على زوجته مزيد حق بالدرجة التي جعلها الله للرجال على النساء، وليست في شأن الوالدين.
قال البغوي في معالم التنزيل، في تفسير القرآن: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِمَا سَاقَ إِلَيْهَا مِنَ الْمَهْرِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَالِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بِالْجِهَادِ، وَقِيلَ: بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ: بِالشَّهَادَةِ، وَقِيلَ: بِالْمِيرَاثِ، وَقِيلَ: بِالدِّيَةِ، وَقِيلَ: بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: بِالرَّجْعَةِ، وَقَالَ سُفْيَانُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: بِالْإِمَارَةِ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، مَعْنَاهُ: فَضِيلَةٌ فِي الْحَقِّ... فعن مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أنه خَرَجَ فِي غَزَاةٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، ثُمَّ رَجَعَ فَرَأَى رِجَالًا يَسْجُدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» .انتهى.
وبخصوص سؤالك من الأفضل من الوالدين الأم أو الأب؟ فنقول إن الإسلام أوجب بر الوالدين وطاعتهما في المعروف، وذلك لما لهما من عظيم الفضل على أبنائهما، وقد نص كثير من أهل العلم على أن الأم تفضل على الأب، وتقدم عليه في البر استنادا إلى ما أخرجه الشيخان وأحمد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك.
قال ابن حجر في فتح الباري: قَالَ ابن بَطَّالٍ: مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ مَا لِلْأَبِ مِنَ الْبِرِّ. قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ الْحَمْلِ ثُمَّ الْوَضْعِ ثُمَّ الرَّضَاعِ. فَهَذِهِ تَنْفَرِدُ بِهَا الْأُمُّ وَتَشْقَى بِهَا، ثُمَّ تُشَارِكُ الْأَبَ فِي التَّرْبِيَةِ. وَقَدْ وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَاميْنِ. فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْوِصَايَةِ وَخَصَّ الْأُمَّ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّ الْأُمَّ تَسْتَحِقُّ عَلَى الْوَلَدِ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنَ الْبِرِّ، وَتُقَدَّمَ فِي ذَلِكَ عَلَى حَقِّ الْأَبِ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْأُمَّ تَفْضُلُ فِي الْبِرِّ عَلَى الْأَبِ. انتهى.
وقال في موضع آخر: وَنَقَلَ الْمُحَاسِبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ مُقَدَّمَةٌ فِي الْبر على الْأَب. انتهى.
والله أعلم.