الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا: أن الله -تعالى- لم يذكر في كتابه السبب الحامل على الرعب من رؤية أصحاب الكهف في تلك الحال، فلم يقل إن الرعب بسبب تغير هيئاتهم ولا غير ذلك، وقد قيل في السبب عدة أمور، ليس شيء منها مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال البغوي في تفسيره: وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرُّعْبَ كَانَ لِمَاذَا؟ قِيلَ: مِنْ وَحْشَةِ الْمَكَانِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لِأَنَّ أَعْيُنَهُمْ كَانَتْ مُفَتَّحَةً كَالْمُسْتَيْقِظِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَهُمْ نِيَامٌ، وَقِيلَ: لِكَثْرَةِ شُعُورِهِمْ وطول أظفارهم، ولتقبلهم مِنْ غَيْرِ حِسٍّ وَلَا إِشْعَارٍ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَهُمْ بِالرُّعْبِ؛ لِئَلَّا يَرَاهُمْ أَحَدٌ. اهــ.
وقيل إن سبب الرعب الخوف من كونهم لصوصا.
قال في التحرير والتنوير: وَالْمَعْنَى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ تَكُنْ عَلِمْتَ بِقِصَّتِهِمْ، لَحَسِبْتَهُمْ لُصُوصًا قُطَّاعًا لِلطَّرِيقِ، إِذْ هُمْ عَدَدٌ فِي كَهْفٍ، وَكَانَتِ الْكُهُوفُ مَخَابِئَ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. اهــ.
فالقول بأن سبب الرعب كان لتغير هيئاتهم مجرد قول قيل، حتى إن ابن جرير الطبري لم يذكره في تفسيره أصلا، ورده بعض المفسرين كالشوكاني في تفسيره.
فقد قال في فتح القدير: وَسَبَبُ الرُّعْبِ الْهَيْبَةُ الَّتِي أَلْبَسَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا، وقيل: طول أظفارهم وشعورهم، وَعِظَمُ أَجْرَامِهِمْ وَوَحْشَةُ مَكَانِهِمْ، وَيَدْفَعُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا مِنْ حَالِهِمْ شَيْئًا، وَلَا وَجَدُوا مِنْ أَظْفَارِهِمْ وَشُعُورِهِمْ مَا يدلّ على طول المدّة. اهـ.
وكذا رده صاحب التحرير والتنوير، حيث قال: وَلَيْسَ الْمُرَادُ الرُّعْبَ مِنْ ذَوَاتِهِمْ؛ إِذْ لَيْسَ فِي ذَوَاتِهِمْ مَا يُخَالِفُ خَلْقَ النَّاسِ، وَلَا الْخَوْفَ مِنْ كَوْنِهِمْ أَمْوَاتًا؛ إِذْ لَمْ يَكُنِ الرُّعْبُ مِنَ الْأَمْوَاتِ مِنْ خِلَالِ الْعَرَبِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ. اهــ.
ولم يذكره ابن كثير -أيضا- فقد قال -رحمه الله-: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً: أَيْ أَنَّهُ -تَعَالَى- أَلْقَى عَلَيْهِمُ الْمَهَابَةَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ نَظَرُ أَحَدٍ عَلَيْهِمْ إِلَّا هَابَهُمْ؛ لِمَا أُلْبِسُوا مِنَ الْمَهَابَةِ وَالذُّعْرِ، لِئَلَّا يَدْنُوَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَا تَمَسَّهُمْ يَدُ لَامِسٍ، حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، وَتَنْقَضِيَ رَقْدَتُهُمُ الَّتِي شَاءَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهِمْ، لِمَا له في ذلك من الحكمة والحجة البالغة والرحمة الواسعة. اهـ.
فلا يعارض كتاب الله -تعالى- ويضرب بعضه ببعض، بأقوال قيلت ليس لها زمام ولا خطام.
والله أعلم.