الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أعلى الله -سبحانه- من شأن الوالدين، وقرن حقه بحقهما، فقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}.
فالواجب برهما والإحسان إليهما، ويحرم عقوقهما، ويتأكد ذلك في حق الأم، فإن الله -سبحانه- قد أوصى بها وصية خاصة حيث قال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}. وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك». متفق عليه.
قال الصنعاني في سبل السلام، تعليقاً على هذا الحديث: يقتضي تقديم الأم بالبر، وأحقيتها به على الأب. اهـ.
وما قمت به من طردك لأمك، لا شك في أنه من أعظم العقوق، وإذا قصرت في حقك، فلا يجوز لك التقصير في حقها، فمن حقها عليك أن تحسني إليها وإن أساءت إليك، فبر الوالد -أبًا أم أماً- لا يسقط عن ولدهما بحال، وقد أوضحنا ذلك في الفتوى: 419614.
فالواجب عليك المبادرة إلى التوبة النصوح، والاعتذار لأمك واستسماحها، ففي رضا الوالدين رضا الله -تعالى- وفي سخطهما سخطه. روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.
وليس من حق أبيك منعك من صلة أمك، ولا يجوز لك طاعته إن منعك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ومهما أمكنك أن تبري أمك من غير أن تسخطي أباك، فافعلي.
نقل القرافي في كتابه الفروق: أن رجلًا قال للإمام مالك -رحمه الله تعالى-: إن والدي في بلد السودان، وقد كتب إليّ أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له الإمام مالك: أطع أباك، ولا تعص أمك. اهـ.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية، في تفسير هذه العبارة قولهم: يعني أنه يبالغ في رضى أمه بسفره لوالده، ولو بأخذها معه؛ ليتمكن من طاعة أبيه، وعدم عصيان أمه. اهـ.
أي: التوفيق بينهما في ذلك، بحيث يرضيهما معًا.
والله أعلم.