الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من الدعاء بما ذكرت.
ومن أفضل الدعاء أن يدعو المسلم بالأدعية الجامعة، التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلّمها أصحابه.
ومن ذلك: ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. زاد مسلم: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء، دعا بها فيه.
ومنه: ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمها هذا الدعاء: اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمت منه، وما لم أعلم. وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه، وما لم أعلم.
اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبدك ونبيك.
اللهم إني أسألك الجنة، وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء تقضيه لي خيرًا. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وقال الحاكم في المستدرك: حديث صحيح الإسناد.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر.
وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم، قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والبخل، والهرم، وعذاب القبر. اللهم آت نفسي تقواها، وزكها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها.
ومنها: ما في صحيح مسلم عن طارق بن أشيم الأشجعي -رضي الله عنه- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل، فقال: يا رسول الله، كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني -ويجمع أصابعه إلا الإبهام-؛ فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك.
وفي الصحيحين عبد الله بن عمرو، أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي من عندك مغفرة؛ إنك أنت الغفور الرحيم.
وعن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: رب أعني، ولا تعن علي، وانصرني، ولا تنصر علي، وامكر لي، ولا تمكر علي، واهدني، ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا، لك رهابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أواها منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري. أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
فهذه الأدعية وما شابهها يمكن أن يدعو بها المسلم في الوقت القصير، مع الثناء على الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
والثناء على الله تعالى دعاء في حد ذاته، وفيه تعرّض لنفحات الكريم الجواد، والمصلي على النبي صلى الله عليه يعطى مثل ما يعطى الداعي، ففي الحديث عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام، فقال: يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت. قال: قلت: الربع، قال: ما شئت، فإن زدت، فهو خير لك، قلت: النصف، قال: ما شئت، فإن زدت، فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين، قال: ما شئت، فإن زدت، فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها. قال: إذن تكفى همك، ويغفر لك ذنبك. أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن. وقال الحاكم في المستدرك: حديث صحيح الإسناد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: وقول السائل: أجعل لك من صلاتي؟ يعني من دعائي ... فيكون مقصود السائل: أي: يا رسول الله، إن لي دعاء أدعو به، أستجلب به الخير، وأستدفع به الشر، فكم أجعل لك من الدعاء؟ قال: "ما شئت"، فلما انتهى إلى قوله: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تكفى همك، ويغفر ذنبك. وفي الرواية الأخرى: إذن يكفيك الله ما أهمّك من أمر دنياك وآخرتك. وهذا غاية ما يدعو به الإنسان من جلب الخيرات، ودفع المضرات. اهـ.
والله أعلم.