الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جفاء الأب وقسوة قلبه وسوء معاملته لأهل بيته، نوع من الابتلاء، وهو خلاف ما جُبِل عليه الأب من العطف والحنان على أهل البيت، ولا سيما الأولاد، والإناث منهم على وجه الخصوص.
وينبغي مقابلة ذلك بالصبر ابتغاء مرضاة الله -سبحانه-؛ ففي الصبر على البلاء كثير من خير الدنيا والآخرة، وراجعي في ذلك الفتوى: 18103.
ومن حقه بره والإحسان إليه مهما أساء، ومما يدخل في بره والإحسان إليه الدعاء له بالهداية وصلاح الحال، كما سبق وأن بينا في الفتوى: 104590.
وأما الدعاء عليه، أو تمني موته فلا يجوز، وهو نوع من العقوق، فالواجب عليك التوبة من ذلك. وإن ضاق صدرك بسبب تصرفاته، فانصرفي عنه حتى يذهب عنك هذا الغضب، اتقاء لسوء تصرفك معه في هذه الحالة، فهذا من الأدب عند الغضب؛ كما ذكر أهل العلم.
وليس لأبيكم الحق في منعكم من التواصل مع الأقارب وخاصة إن كانوا من ذوي الرحم؛ لأن قطيعة الرحم محرمة وكبيرة من كبائر الذنوب، ووسائل الصلة كثيرة، فصلوا أقاربكم بما يتيسر من الاتصال الهاتفي ونحو ذلك، وراجعي الفتوى: 108442.
وما تكسبين من مال فهو حق خالص لك، ولا يحق لأبيك أن يأخذ منه إلا بشروط ، وراجعي الفتوى: 46692.
وقد أحسنت بمساعدتك لأبيك بجزء من مالك، ونوصيك بتحري الحكمة والعمل على مداراة أبيك، واتقاء غضبه قدر الإمكان.
ومن حق أمك على أبيك أن ينفق عليها ويوفر لها ضروريات الحياة، وإذا منعها شيئا من حقها جاز لها أن تأخذ من ماله بقدر نفقتها، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 8534.
ونختم بالتأكيد على الاجتهاد في سبيل إصلاح حال الأب، بالدعاء له كما أسلفنا، وكذلك بالاستعانة عليه بمن يغلب على الظن أنه يقبل نصحه من أصدقائه وأقربائه، والأخيار والفضلاء من الناس.
والله أعلم.