الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن صح ما ذكرت من هذه التصرفات التي صدرت من والد زوجتك تجاهك، فقد أساء بذلك، والواجب عليه التبين إن كان قد بلغه عنك ما نسب إليك من اتّهامات؛ عملًا بهذه القاعدة الجليلة التي جاء بها الشرع، وهي التثبت عند ورود الأخبار، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات:6}.
وننبه هنا إلى أن يكون تدخل أهل الزوج أو أهل الزوجة من أجل الإصلاح، كما قال سبحانه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}.
وبخصوص زوجتك إن كان حالها الآن معك على استقامة، فليس من حقك هجرها، أو منعها حقها في الفراش، فقد قال تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}، قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: إن كنتم تقدرون عليهم، فتذكروا قدرة الله، فيده بالقدرة فوق كل يد، فلا يستعلي أحد على امرأته، فالله بالمرصاد. اهـ.
وليس من حقك أن تؤاخذها بما كان من والدها من تصرف معك؛ فلا يؤاخذ المرء بجريرة غيره.
وينبغي أن تتفاهم معها، ويتم اتفاق بينكما على ما يكون؛ ضمانًا لحياة مستقبلية سعيدة، تقوم على الاحترام المتبادل، وأداء الحقوق، وأنك إذا أدّيت إليها حقوقها، فمن حقك أن تحسن بعد ذلك إلى أقاربك، وينبغي أن تعينك على البرّ بهم، والإحسان إليهم؛ فإن هذا مما يعين على المودة، والألفة بين الزوجين.
وننبه إلى أن تستشعرا -كزوجين- أن الله تعالى قد أنعم عليكما بنعمة عظيمة، وهي نعمة الولد التي قد حرمها الكثيرون، وأن من أفضل ما تشكر به هذه النعمة الحرص على تهيئة البيئة السليمة التي ينشأ فيها الأولاد نشأة صالحة؛ فتنالان بذلك خير الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان:74}، نقل ابن كثير في تفسيره عن الحسن البصري ـ وسئل عن هذه الآية ـ فقال: أن يُري الله العبد المسلم من زوجته، ومن أخيه، ومن حميمه طاعة الله، لا والله، ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدًا، أو ولد ولد، أو أخًا، أو حميمًا مطيعًا لله عز وجل. اهـ.
وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
وإن احتاجت زوجتك لتقويم أسنانها؛ لإزالة عيب، ونحو ذلك، فمن حسن العشرة أن تعينها فيه، قدر استطاعتك، فقد قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}.
فهذا الأمر وإن لم يكن واجبًا عليك، إلا أن إحسانك إليها يقوّي بينكما الألفة، والمودة، ولمزيد الفائدة، راجع الفتوى: 108098، ففيها مزيد تفصيل عن حكم تقويم الأسنان.
والله أعلم.