الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقول القائل: "أعاهد الله على كذا"، مما اختلف فيه أهل العلم، وفيما يلزم به:
فذهب الجمهور إلى أنه يمين، وقيل: لا شيء فيه، وإنما يكون يمينًا بالنية.
والذي نفتي به أنه إن التزم به فعل طاعة، كان يمينًا ونذرًا، كما يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
وعلى قول من يرى أنه يمين فقط، وهو قول كثير من العلماء، ولسنا نرى مانعًا من عملك به؛ فإنه لا يلزمك -والحال هذه- سوى كفارة يمين، جاء في الموسوعة الفقهية، باختصار: قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قِيل: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ ذِمَّةُ اللَّهِ، أَوْ مِيثَاقُ اللَّهِ لاَ أَفْعَل كَذَا مَثَلاً، فَهَذِهِ الصِّيَغُ مِنَ الأْيْمَانِ...
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: مِنْ صِيَغِ الْيَمِينِ الصَّرِيحَةِ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لاَ أَفْعَل، أَوْ لأَفْعَلَنَّ كَذَا مَثَلاً؛ فَتَجِبُ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ إِذَا نَوَى الْيَمِينَ، أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ، بَل أُرِيدَ بِالْعَهْدِ التَّكَالِيفُ الَّتِي عَهِدَ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْعِبَادِ، لَمْ تَكُنْ يَمِينًا.
وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ قَوْل الْقَائِل: أُعَاهِدُ اللَّهَ، لَيْسَ بِيَمِينٍ عَلَى الأْصَحِّ؛ لأِنَّ الْمُعَاهَدَةَ مِنْ صِفَاتِ الإْنْسَانِ، لاَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: لَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ، أَوْ أُعْطِيكَ عَهْدًا.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مِنْ كِنَايَاتِ الْيَمِينِ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ مِيثَاقُهُ، أَوْ ذِمَّتُهُ، أَوْ أَمَانَتُهُ، أَوْ كَفَالَتُهُ لأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لاَ أَفْعَل كَذَا، فَلاَ تَكُونُ يَمِينًا إِلاَّ بِالنِّيَّةِ؛ لأِنَّهَا تَحْتَمِل غَيْرَ الْيَمِينِ احْتِمَالاً ظَاهِرًا. انتهى.
وعليه؛ ولبيان ما نفتي به، انظري الفتوى: 291337.
ومع كوننا نفتي بأن هذا الذي صدر منك يجري مجرى النذر، وأنه يلزمك الوفاء به؛ ومن ثم، فتصومين الاثنين والخميس أبدًا ما دمت نويت ذلك، إلا أننا لا نرى مانعًا من عملك في هذه النازلة بقول من يرى أنه يمين فقط؛ وذلك للمشقة اللاحقة لك.
والأخذ برخص بعض العلماء للحاجة، مما سهل فيه كثير من أهل العلم، وانظري الفتوى: 134759.
فنرى أنك لو اجتزأت بكفارة يمين، برئت ذمتك -إن شاء الله-.
وأما اعتقادك اللزوم المبني على ما قالته أمّك، فلا تأثير له في الحكم.
والله أعلم.