الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل حرمة الأخذ من مال الغير، سواء كان المال خاصًّا أم عامًّا:
فالمال الخاص لا يجوز الأخذ منه، إلا بإذن صاحبه.
وأما المال العام، فلا يجوز الأخذ منه، إلا لمن يستحقّ ذلك، أو لمن أذن له من هو مخوّل بالإذن فيه، ما لم يك ذلك مما جرى العرف بالمسامحة فيه؛ لأن الإذن العرفيّ كالإذن النصيّ، قال الإمام النووي في شرح مسلم: الإذن ضربان:
أحدهما: الإذن الصريح...
والثاني: الإذن المفهوم من اطّراد العرف والعادة. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: الإذن العرفيّ يقوم مقام الإذن الحقيقيّ. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الإذن العرفي في الإباحة، أو التمليك، أو التصرف بطريق الوكالة كالإذن اللفظي، فكل واحد من الوكالة والإباحة ينعقد بما يدل عليها من قول وفعل، والعلم برضا المستحق يقوم مقام إظهاره للرضا.
وعلى هذا يخرج مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان بيعة الرضوان -وكان غائبًا-، وإدخاله أهل الخندق إلى منزل أبي طلحة ومنزل جابر بدون استئذانهما؛ لعلمه أنهما راضيان بذلك. ولما دعاه صلى الله عليه وسلم اللحام سادس ستة اتبعهم رجل، فلم يدخله حتى استأذن اللحام الداعي، وكذلك ما يؤثر عن الحسن البصري أن أصحابه لما دخلوا منزله، وأكلوا طعامه، قال: ذكرتموني أخلاق قوم قد مضوا. وكذلك معنى قول أبي جعفر: إن الإخوان من يُدخل أحدهم يده في جيب صاحبه، فيأخذ منه ما شاء...
وعلى هذا خرَّج الإمام أحمد بيع حكيم بن حزام، وعروة بن الجعد لما وكله النبي صلى الله عليه وسلم في شراء شاة بدينار، فاشترى شاتين، وباع إحداهما بدينار. فإن التصرف بغير استئذان خاص تارة بالمعاوضة، وتارة بالتبرع، وتارة بالانتفاع، مأخذه إما إذن عرفي في عام أو خاص. اهـ.
وعليه؛ فأخذك من زرع الحديقة أو الشارع، أو من تراب فيه، غير جائز، ما لم يك ذلك مما يؤذن في أخذه عرفًا وعادة، ويتسامح في أخذه؛ لكونه لا يضرّ الزرع، ولا الشارع، وينتفع الناس به، فلا بأس حينئذ؛ اعتبارًا للإذن العرفي.
والله أعلم.