الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تناول هذا الدواء يعد أكلا لغة وشرعا، فوالدك بفعله هذا، قد أكل بغير شك، فيجب عليه القضاء.
والعلماء متفقون على أن ما دخل الجوف عن طريق الفم، فإنه يوجب القضاء، وعدوا ما خالف هذا القول شذوذا، لا يلتفت إليه. جاء في الروض المربع، مع حاشيته لابن قاسم -رحمه الله-: من أكل أو شرب صحيحًا مقيمًا، عامدًا، ذاكرًا لصومه، فسد صومه، بالكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.
قال الشيخ وغيره: فعقل منه أن المراد الصيام من الأكل والشرب، فإنه -تعالى- أباحه إلى غاية، ثم أمر بالإمساك عنهما إلى الليل، وقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}. وكان معقولاً عندهم أن الصيام هو الإمساك عنهما، وفي الحديث: «يدع طعامه وشرابه من أجلي» وحكى الشيخ، والوزير، والموفق، وغير واحد الإجماع على ذلك.
ولا فرق بين القليل والكثير، ولا بين المعذور وغيره، والأكل: إيصال جامد إلى الجوف من الفم، ولو بغير مضغ، ولو لم يتناول عادة.
والشرب: إيصال مائع إلى الجوف من الفم، ولو وجورًا.
وأما أكل ما لا يتغذى به، فيحصل به الفطر، قال الموفق: في قول عامة أهل العلم، إلا ما روي عن الحسن بن صالح أنه يأكل البرد، ويقول: ليس بطعام، ولا شراب. ودلالة الكتاب والسنة على العموم، فلا يلتفت إلى خلافه. انتهى.
وأما غبار الطريق فليس من هذا في شيء، فإن العلماء اتفقوا على العفو عنه؛ لمشقة الاحتراز منه، وكذا ما في معناه مما يشق التحرز منه كنخالة الدقيق وغيرها، وكذا الدخان، فإن وصوله إلى الحلق من غير قصد لا يضر. وأما من تعمد ابتلاعه فإنه يفسد صومه، كما قرره الفقهاء.
قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: (وَلَا) يَفْسُدُ صَوْمُ غَيْرِ قَاصِدٍ لِلْفِعْلِ، كَ (إنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ دُخَانٌ) أَوْ نَخْلٌ نَحْوُ دَقِيقٍ كَاكْتِيَالِهِ حَبًّا فَدَخَلَ الْغُبَارُ حَلْقَهُ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ ابْتَلَعَ الدُّخَانَ قَصْدًا فَسَدَ صَوْمُهُ. انتهى.
فعلى أبيك أن يتقي الله -تعالى- ويرجع عن هذا القول المنكر، ويقضي ذينك اليومين.
والواجب عليك أن تطلعه على فتوانا هذه، وبذا تكون قد أبرأت ذمتك، وفعلت ما يلزمك.
والله أعلم.