الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأكل مما يليك سنة لا واجب. قال البهوتي في شرح الإقناع: (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَأْكُلَ بِيَمِينِهِ وَمِمَّا يَلِيهِ وَيُكْرَه تَرْكُهُمَا) أَيْ تَرْكُ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ وَمِمَّا يَلِيهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ «كُنْتُ يَتِيمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهِ، وَكُلْ بِيَمِينِكِ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. انتهى
وقيد بعض العلماء السنية بما إذا كان يأكل مع جماعة، وبعضهم بما إذا اتحد لون الطعام لا إذا اختلف. قال المرداوي: ويسن أن يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ مُطْلَقًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِن الْمَذْهَبِ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِن الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ: إذَا كَانَ الطَّعَامُ لَوْنًا أَوْ نَوْعًا وَاحِدًا. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا يَلِيهِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْآدَابِ: نَقَلَ الْآمِدِيُّ عَنْ ابْنِ حَامِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ أَكَلَ مِمَّا يَلِيهِ. وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ: فَلَا بَأْسَ أَنْ تَجُولَ يَدُهُ. انْتَهَى. قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ الْفَاكِهَةَ كَغَيْرِهَا. انتهى
وأوجب بعض العلماء الأكل باليمين، وحرَّم الأكل بالشمال، وإن كان ذلك عند الجمهور سنة.
وأوجب بعض العلماء التسمية في أول الطعام، ومذهب الجمهور أنها سنة.
قال المرداوي في حكم التسمية، والأكل باليمين: وَقِيلَ: يَجِبَانِ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. انتهى
ويجب إطابة المطعم، وأن يكون من حلال. قال المرداوي: وقال ابن الْبَنَّا: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِي الْأَكْلِ أَرْبَعُ فَرَائِضَ: أَكْلُ الْحَلَالِ، وَالرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللهُ، وَالتَّسْمِيَةُ عَلَى الطَّعَامِ، وَالشُّكْرُ لِلهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى ذلك. انتهى
ومن المحرمات في الطعام ما قاله المرداوي في الإنصاف وعبارته: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِن الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ. فَإِنْ عَلِمَ بِقَرِينَةٍ رِضَا مَالِكِهِ، فَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يُكْرَهُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يُبَاحُ. انتهى
وحرم بعض أهل العلم أن يعيب الطعام، قال المرداوي: وَيُكْرَهُ عَيْبُ الطَّعَامِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِن الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي الْغُنْيَةِ: يَحْرُمُ. انتهى.
ومما حرمه بعض أهل العلم مما يتعلق بالطعام أكله كثيرا حتى يتضرر به، قال في الإنصاف: وَكَرِهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَكْلَهُ حَتَّى يُتْخَمَ. وَحَرَّمَهُ أَيْضًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. انتهى
فهذا بعض ما قيل بوجوبه وتحريمه من آداب الطعام.
والله أعلم.