الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتعرض للفتن ولرؤية المنكرات لمن يتعامل مع الناس، ولا سيما أصحاب المحلات التجارية، أمر واقع، وهو مما عمت به البلوى، والله المستعان.
فعلى المسلم المهتم بدينه، أخذ الحيطة في تعامله مع من لا يبالون بدينهم ولا بأخلاقهم، ولا سيما النساء المتبرجات اللاتي تدعوه الحاجة إلى التعامل معهن؛ فليغضض بصره، وليقلل من فضول الكلام معهن.
أما أن يترك السعي في تحصيل عيشه، ويهدر مصالحه من ضروريات وحاجيات لهذا الواقع، فلا يظهر لنا أنه الحكمة، ولا أنه الأولى؛ فالأسواق كانت من قديم أماكن اختلاط الناس، ومظنة مشاهدة المنكرات وسماعها، ومع ذلك كانت وجهة أصحاب الحوائج والباعة والمستثمرين وغيرهم. ولم يمنع الشارع من ذلك؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتاد الأسواق حتى إن المشركين عابوه بذلك، كما قال الله -تعالى- حاكياً عنهم: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان:7].
وقال الإمام البخاري: باب ما ذكر في الأسواق، وقال عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- لما قدمنا المدينة قلت: هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينقاع. وقال أنس: قال عبد الرحمن: "دلوني على السوق"، وقال عمر: "ألهاني الصفق بالأسواق".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: قوله: (باب ما ذكر في الأسواق) قال ابن بطال: أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الأسواق للأشراف والفضلاء. وكأنه أشار إلى ما لم يثبت على شرطه من أنها شر البقاع، وهو حديث أخرجه أحمد والبزار وصححه الحاكم من حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق" (إسناده حسن). اهـ.
وعليه؛ فلا نرى لك أن تترك العمل المباح، وتجلس في البيت للسبب الذي ذكرت، بل نرشدك إلى الأخذ بالأسباب، والسعي في تحصيل الرزق المباح؛ لتغني نفسك، وتنفق على عيالك، وتفعل الخير.
واحفظ لسانك، وغض من بصرك، وراقب وقت الصلاة، ولا تسمح لنفسك بالانشغال عن صلاتك بالتجارة.
ثم ان تأخير الصلاة عن أول وقتها نصف ساعة -كما ذكرت- لا إشكال فيه ما دام أن وقتها لم يخرج بالكلية. ومن المعلوم أن أداء الصلاة أول وقتها مستحب لا فرض، وانظر الفتوى: 421042 عن حكم ترك العمل لأجل الالتزام بصلاة الجماعة.
والله أعلم.