الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أنه ما من شيء في هذا الكون إلا هو كائن بتقدير الله تعالى، ومن ذلك أمر النكاح، وسبق أن بينا ذلك بأدلته في الفتوى: 75915.
وهذا لا ينفي أن للعبد اختيارا في ذلك، فللعبد مشيئته، وهي تابعة لمشيئة الله؛ إذ لا يقع في هذا الكون شيء إلا بإذنه -سبحانه- فهو القائل: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {التكوير29:28}.
وبدليل ما أمر الله به عباده من فعل الأسباب، ففي النكاح جاء الأمر بتحري الاختيار للزوجة الصالحة ونحو ذلك، كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. ولمزيد الفائدة، انظري الفتوى: 24855.
والأصل أنه يجب على أخيك طاعة أمه، وعدم الزواج من هذه الفتاة إن اعترضت على زواجه منها؛ لأن طاعته لأمه فرض عليه، وزواجه من هذه الفتاة ليس بفرض عليه، وما كان فرضا مقدم على ما ليس بفرض، وهذا فيما إذا لم تكن هنالك مصلحة راجحة تقتضي زواجه منها، وتُراجع الفتويان: 105484، 132443.
وإن رأى البر بأمه وترك الزواج من هذه الفتاة، فلعل الله يرزقه بسبب هذا البر زوجة صالحة خيرا من التي تركها، وزواجه منها بعينها ليس واجبا عليه، فلا يأثم بتركها فضلا عن أن يكون ظالما لها، والخطبة مواعدة بين الطرفين، يحق لكل منهما فسخها وخاصة عند الحاجة لذلك، وتراجع الفتوى: 18857.
وعليه الحذر من إثارة المشاكل مع أمه وأخواته، وأن يكون أشد حذرا من أن يصدر عنه ما يوجب الوقوع في العقوق من قول أو فعل تتأذى منه الأم، فالعقوق من كبائر الذنوب، ومن أسباب سخط المولى -تبارك وتعالى- ويمكن أن تراجع فيه الفتوى: 73485، ففيها بيان ضابط العقوق، والفتوى: 16531، وهي عن التوبة من العقوق.
والمشاكل مع الأخوات أيضا يمكن أن تؤدي إلى الوقوع في محذور خطير وهو قطيعة الرحم، وهي أيضا من كبائر الذنوب، كما بينا في الفتوى: 43714.
والله أعلم.